هذا الأثر المعلق ليس له مطابقة للترجمة أصلا ، وهذا ظاهر كما ترى .
وقال بعضهم : ومناسبته للترجمة من جهة الغالب أن أهل الرجل تبع له فيما يفعل ، فأشار nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري إلى الرد على من منع المرأة أن تتطهر بفضل الرجل ; لأن الظاهر أن امرأة nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه كانت تغتسل بفضله أو معه ، فناسب قوله ( وضوء الرجل مع امرأته من إناء واحد ) .
قلت : من له ذوق أو إدراك يقول هذا الكلام البعيد ، فمراده من قوله - أن أهل الرجل تبع له فيما يفعل في كل الأشياء أو في بعضها ، فإن كان الأول فلا نسلم ذلك ، وإن كان الثاني فيجب التعيين ، وقوله ( لأن الظاهر . . ) إلى آخره ، أي ظاهر دل على هذا ؟ وهل هذا إلا حدس وتخمين .
وقال الكرماني : فإن قلت : ما وجه مناسبته للترجمة ؟ قلت : غرض nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في هذا الكتاب ليس منحصرا [ ص: 83 ] في ذكر متون الأحاديث ، بل يريد الإفادة أعم من ذلك ، ولهذا يذكر آثار الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، وفتاوى السلف ، وأقوال العلماء ، ومعاني اللغات ، وغيرها ، فقصد ها هنا بيان التوضؤ بالماء الذي مسته النار ، وتسخن بها بلا كراهة ، دفعا لما قال مجاهد .
قلت : هذا أعجب من الأول وأغرب ، وكيف يطابق هذا الكلام ، وقد وضع أبوابا مترجمة ، ولا بد من رعاية تطابق بين تلك الأبواب وبين الآثار التي يذكرها فيها ، وإلا يعد من التخابيط . وكونه يذكر فتاوى السلف ، وأقوال العلماء ، ومعاني اللغات - لا يدل على ترك المناسبات ، والمطابقات . وهذه الأشياء أيضا إذا ذكرت بلا مناسبة يكون الترتيب مخبطا ، فلو ذكر شخص مسألة في الطلاق مثلا في كتاب الطهارة أو مسألة من كتاب الطهارة في كتاب العتاق مثلا نسب إليه التخبيط ، ثم هذا الأثر الأول وصله nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور ، nindex.php?page=showalam&ids=16360وعبد الرزاق ، وغيرهما بإسناد صحيح ، بلفظ : إن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه كان يتوضأ بالحميم ، ثم يغتسل منه . ورواه nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة ، nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني بلفظ : كان يسخن له ماء في حميم ، ثم يغتسل منه . قال nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : إسناده صحيح .
قوله ( بالحميم ) بفتح الحاء المهملة ، وهو الماء المسخن . وقال nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال : قال nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري : هو الماء السخين ، فعيل بمعنى مفعول ، ومنه سمي الحمام حماما لإسخانه من دخله ، والمحموم محموما لسخونة جسده .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر : أجمع أهل الحجاز وأهل العراق جميعا على الوضوء بالماء السخن غير nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ، فإنه كرهه . رواه عنه nindex.php?page=showalam&ids=16861ليث بن أبي سليم ، وذكر nindex.php?page=showalam&ids=14345الرافعي في كتابه : أن الصحابة تطهروا بالماء المسخن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم ينكر عليهم هذا الخبر .
وقال المحب الطبري : لم أره في غير nindex.php?page=showalam&ids=14345الرافعي .
ومنهم nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال : إنا نتوضأ بالحميم ، وقد أغلي على النار . رواه nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة في مصنفه عن nindex.php?page=showalam&ids=16925محمد بن بشر ، عن محمد بن عمرو ، حدثنا سلمة قال : قال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : ومنهم nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله تعالى عنهما . رواه nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12341أيوب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع : أن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر كان يتوضأ بالحميم .
قوله ( ومن بيت نصرانية ) وهو الأثر الثاني ، وهو عطف على قوله ( بالحميم ) أي وتوضأ nindex.php?page=showalam&ids=2عمر من بيت نصرانية ، ووقع في رواية nindex.php?page=showalam&ids=16846كريمة بحذف الواو من قوله ( ومن بيت ) وهذا غير صحيح ; لأنهما أثران مستقلان ، فالأول ذكرناه ، والثاني الذي علقه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، ووصله nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=16360وعبد الرزاق ، وغيرهما ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم ، عن أبيه : أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر توضأ من ماء نصرانية في جر نصرانية ، وهذا لفظ nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
وقال الحافظ أبو بكر الحازمي : رواه خلاد بن أسلم ، عن سفيان بسنده ، فقال : " ماء نصراني " بالتذكير ، والمحفوظ ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي " نصرانية " بالتأنيث .
وفي ( الأم ) للشافعي : من جرة نصرانية ، بالهاء في آخرها .
وفي ( المهذب ) لأبي إسحاق : جر نصراني . وقال : صحيح .
وذكر ابن فارس في ( حلية العلماء ) : هذا سلاخة عرقوب البعير ، يجعل وعاء للماء .
فإن قلت : ما وجه تطابق هذا الأثر للترجمة ؟ قلت : قال الكرماني : بناء على حذف واو العطف من قوله ( ومن بيت نصرانية ) ، ومعتقدا أنه أثر واحد ، لما كان هذا الأخير الذي هو مناسب لترجمة الباب من فعل عمر رضي الله عنه ، ذكر الأمر الأول أيضا ، وإن لم يكن مناسبا لها لاشتراكهما في كونهما من فعله تكثيرا للفائدة ، واختصارا في الكتاب ، ويحتمل أن يكون هذا قصة واحدة ، أي توضأ من بيت النصرانية بالماء الحميم ، ويكون المقصود ذكر استعمال سؤر المرأة النصرانية ، وذكر الحميم إنما هو لبيان الواقع ، فتكون مناسبته للترجمة ظاهرة .
قلت : هذا منه لعدم اطلاعه في كتب القوم ، فظن أنه أثر واحد ، وقد عرفت أنهما أثران مستقلان ، ثم ادعى أن الأمر الأخير مناسب للترجمة ، فهيهات أن يكون مناسبا ; لأن الباب في وضوء الرجل مع امرأته ، وفضل وضوء المرأة ، فأي واحد من هذين مناسب لهذا ، وأي واحد من هذين يدل على ذلك ، أما توضؤ عمر بالحميم فلا يدل على شيء من ذلك ظاهرا ، وأما توضؤ عمر [ ص: 84 ] من بيت نصرانية ، فهل يدل على أن وضوءه كان من فضل هذه النصرانية ، فلا يدل ولا يستلزم ذلك ، فمن ادعى ذلك فعليه البيان بالبرهان .
وقال بعضهم : الثاني مناسب لقوله ( وفضل وضوء المرأة ) لأن عمر رضي الله عنه توضأ بمائها ، وفيه دليل على جواز التطهر بفضل وضوء المرأة المسلمة ; لأنها لا تكون أسوأ حالا من النصرانية .
قلت : الترجمة فضل وضوء المرأة ، والنصرانية هل لها فضل وضوء حتى يكون التطابق بينه وبين الترجمة ، فقوله " من بيت نصرانية " لا يدل على أن الماء كان من فضل استعمال النصرانية ، ولأن الماء كان لها .
فإن قلت : في رواية nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي من ماء نصرانية في جر نصرانية . قلت : نعم ، ولكن لا يدل على أنه كان من فضل استعمالها ، والذي يدل عليه هذا الأثر جواز استعمال مياههم ، ولكن يكره استعمال أوانيهم وثيابهم ، سواء فيه أهل الكتاب ، وغيرهم .
وقال الشافعية : وأوانيهم المستعملة في الماء أخف كراهة ، فإن تيقن طهارة أوانيهم أو ثيابهم فلا كراهة إذا في استعمالها ، قالوا : ولا نعلم فيها خلافا ، وإذا تطهر من إناء كافر ، ولم يتيقن طهارته ، ولا نجاسته ، فإن كان من قوم لا يتدينون باستعمالها صحت طهارته قطعا ، وإن كان من قوم يتدينون باستعمالها ، فوجهان : أصحهما : الصحة ، والثاني : المنع ، وممن كان لا يرى بأسا به nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي ، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، وأصحابهما .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر : ولا أعلم أحدا كرهه إلا nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، وإسحاق .
قلت : وتبعهما أهل الظاهر ، واختلف قول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في هذا ، ففي ( المدونة ) : لا يتوضأ بسؤر النصراني ، ولا بماء أدخل يده فيه . وفي ( العتبية ) أجازه مرة ، وكرهه أخرى .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في ( الأم ) : لا بأس بالوضوء من ماء المشرك ، وبفضل وضوئه ما لم يعلم فيه نجاسة .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر : انفرد nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي بكراهة فضل المرأة إن كانت جنبا .