صفحة جزء
2162 ( وقول الله تعالى : ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرهن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ) .


وقول الله بالجر تقديره : وباب في ذكر قول الله تعالى ولا تكرهوا ، الآية ، ذكر هذه الآية في معرض الدليل لحرمة كسب البغي ، لأنه نهي عن إكراه الفتيات أي الإماء على البغاء أي الزنا ، والنهي يقتضي تحريم ذلك ، وتحريم هذا يستدعي حرمة زناهن ، وحرمة زناهن تستلزم حرمة وضع الضرائب عليهن ، وهي تقتضي حرمة الأجر الحاصل من ذلك .

ثم سبب نزول [ ص: 104 ] هذه الآية فيما ذكره مقاتل بن سليمان في تفسيره ، نزلت هذه الآية في ست جوار لعبد الله بن أبي بن سلول كان يكرههن على الزنا ويأخذ أجورهن وهي معاذة ومسيكة وأميمة وعمرة وأروى وقتيلة ، فجاءته إحداهن يوما بدينار ، وجاءت أخرى ببرد ، فقال لهما : ارجعا فازنيا ، فقالتا : والله لا نفعل قد جاء الله تعالى بالإسلام وحرم الزنا ، فأتتا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشكتا إليه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، ذكره الواحدي في ( أسباب النزول ) وروى الطبري من طريق ابن نجيح عن مجاهد قال في قوله ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ، قال : إماءكم على الزنا ، وأن عبد الله بن أبي أمر أمة له بالزنا فزنت فجاءت ببرد ، فقال : ارجعي فازني على آخر ، قالت : والله ما أنا براجعة ، فنزلت ، وهذا أخرجه مسلم من طريق أبي سفيان عن جابر مرفوعا ، وروى أبو داود والنسائي من طريق أبي الزبير سمع جابرا قال : جاءت مسيكة أمة لبعض الأنصار فقالت : إن سيدي يكرهني على البغاء فنزلت ، قوله : " فتياتكم " جمع فتاة وهي الشابة ، والفتى الشاب ، وقد فتي بالكسر يفتى فهو فتي السن بين الفتا والفتى السخي الكريم ، وقد تفتى وتفاتى والجمع فتيان وفتية وفتو على فعول ، وفتى مثل عصا ، والفتيان الليل والنهار ، واستفتيت الفقيه في مسألة فأفتاني ، والاسم الفتيا والفتوى ، قوله إن أردن تحصنا أي تعففا ، وقال بعضهم : قوله : إن أردن تحصنا لا مفهوم له ، بل خرج مخرج الغالب ( قلت ) المفهوم لا يصح نفيه لأن كلمة " إن " تقتضي ذلك ، ولكن الذي يقال هنا : إن " إن " ليست للشرط بل بمعنى إذ ، وذلك كما في قوله تعالى : وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ، وقوله تعالى : وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ، وقوله تعالى : لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله ومعنى إن في هذه كلها بمعنى إذ ، وقال النسفي في تفسير هذه الآية : وليس معناه الشرط لأنه لا يجوز إكراههن على الزنا إن لم يردن تحصنا ، ثم قال : وكلمة إن وإيثارها على إذا إيذان بأن الباغيات كن يفعلن ذلك برغبة وطواعية ، وقيل : إن أردن تحصنا ، متصل بقوله : وأنكحوا الأيامى منكم أي من أراد أن يلزم الحصانة فليتزوج ، وقيل : في الآية تقديم وتأخير ، والمعنى فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم لمن أراد تحصنا ، قوله : " لتبتغوا " أي لتطلبوا بإكراههن على الزنا أجورهن على الزنا ، قوله : " غفور رحيم " أي لهن ، وقيل : لهم لمن تاب عن ذلك بعد نزول الآية ، وقيل : لهن ولهم أن تابوا وأصلحوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية