أي هذا باب في بيان حكم القطائع وهو جمع قطيعة من أقطعه الإمام أرضا يتملكه ويستبد به وينفرد ، والإقطاع يكون تمليكا وغير تمليك ، وإقطاع الإمام تسويفه من مال الله تعالى لمن يراه أهلا لذلك ، وأكثر ما يستعمل في إقطاع الأرض وهو أن يخرج منها شيئا يحوزه إما أن يملكه إياه فيعمره أو يجعل له غلته مدة ، قلت : في صورة التمليك يملك الذي أقطع له وهو الذي يسمى المقطع له رقبة الأرض فيصير ملكا له يتصرف فيه تصرف الملاك في أملاكهم ، وفي صورة جعل الغلة له لا يملك إلا منفعة الأرض دون رقبتها . فعلى هذا يجوز للجندي الذي يقطع له أن يؤجر ما أقطع له لأنه يملك منافعها وإن لم يملك رقبته ، وله نظائر في الفقه منها : أنه إذا وقعت المصالحة على خدمة عبد سنة كان للمصالح أن يؤجره ومعلوم أنه لا يملك رقبته وإنما يملك منفعته ، ومنها أن المستؤجر يملك إجارة ما استأجره وإن كان لا يملك منه إلا المنفعة ، ومنها أن الوقف بأن غلته لفلان صحيح وله أن يؤجره في الصحيح ذكره في المحيط ، ومنها أن أم الوليد يجوز لسيدها أن يؤجرها مع أنه لا يملك منها سوى منفعتها فإذا جازت له الإجارة تجوز لها المزارعة أيضا لأن القرى والأراضي في الممالك الإسلامية لا يمكن أن ينتفع بها إلا بالكراء والزراعة ومباشرة أعمال الفلاحة من السقي والحصاد والدياس والتذرية وغير ذلك من الأمور التي يتوقف عليها الاستغلال ، وذلك لا يحصل إلا بالمزارعة عليها أو بإيجارها لمن يقوم بهذه الأعمال فإن الجند لا يقدرون على القيام بذلك بأنفسهم إذ لو أمروا بذلك لصاروا أكرة وتعطل المعنى المطلوب منهم ، وهو القيام بما أعدوا له من مصالح المسلمين وهي قتال أعداء الإسلام وردع المفسدين وقمع الخارجين وصون الأموال والأنفس من السراق واللصوص وقطاع الطريق ، وحفظ مراصد الطرقات ومواطن المرابطات ، فمتى اشتغل الجند بذلك تفوت تلك المصالح ، كما قال أصحابنا في رزق القاضي إنه إذا كان فقيرا فالأفضل له بل الواجب عليه الأخذ لأنه متى اشتغل بالكسب أقعد عن إقامته فرض القضاء ، فإذا كان الأمر كذلك يجوز لهم الانتفاع بالذي يقطع لهم بالإجارة أو المزارعة فبأيهما تمكن الجندي فعل ، أما المزارعة فعلى قول الصاحبين فإنها في معنى الإجارة فليزارع الجند على قولهما بالشروط التي ذكرناها كما هي محررة في كتب الفقه ، والله أعلم .