أما الإسناد الأول فمسدد، ويحيى، وهو ابن سعيد القطان، وإسماعيل وهو ابن أبي خالد التابعي فسلف بيانهم.
وأما جرير (ع) فهو أبو عبد الله -أو أبو عمرو- جرير بن عبد الله بن جابر وهو الشليل بن مالك بن نصر بن ثعلبة البجلي الأحمسي -بالحاء والسين المهملتين- الكوفي.
[ ص: 236 ] وبجيلة قبيلة معروفة نسبوا إلى بجيلة بنت (صعب) بن سعد العشيرة. قال nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق: جرير سيد قبيلته. يعني: بجيلة. قال: وبجيلة بن أنمار بن نزار بن معد بن عدنان.
نزل جرير الكوفة، ثم تحول إلى قرقيسيا وبها توفي سنة إحدى وخمسين. وقيل غير ذلك. له مائة حديث اتفقا منها على ثمانية، وانفرد nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بحديث nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم بستة، كذا في شرح شيخنا قطب الدين، وفي شرح النووي : روي له (مائتا) حديث، انفرد nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بحديث، وقيل: بستة. ولعل صوابه: nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم بستة بدل: وقيل: بستة.
كان قدومه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة عشر في رمضان، (فبايعه وأسلم وقيل أسلم) قبل وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأربعين يوما، وكان يصلي إلى سنام البعير، وكانت نعله ذراعا، واعتزل الفتنة، وكان يدعى يوسف هذه الأمة لحسنه.
روى عنه بنوه: عبد الله، والمنذر، وإبراهيم، وابن ابنه أبو زرعة هرم، ومناقبه جمة، ومنها أن وكيله اشترى له فرسا بثلاثمائة، فتخيل جرير أنها تساوي أربعمائة، قال لصاحبها: أتبيعها بأربعمائة؟ قال: [ ص: 237 ] نعم. ثم تخيل أنها تساوي خمسمائة قال: أتبيعها بخمسمائة؟ قال: نعم.
ليس في الصحابة nindex.php?page=showalam&ids=97جرير بن عبد الله البجلي إلا هذا، وفيهم: جرير بن عبد الله الحميري فقط، وقيل: ابن عبد الحميد. وفيهم جرير بن الأرقط، وجرير بن أوس الطائي، وقيل: خريم، وجرير أو أبو جرير، يروى (حديثه) عن أبي ليلى الكندي عنه.
وأما الراوي عنه فهو أبو عبد الله قيس بن أبي حازم. واسم أبي حازم عبد عوف بن الحارث، ويقال: عوف بن عبد الحارث بن عوف الأحمسي البجلي الكوفي التابعي المخضرم.
أدرك الجاهلية، وجاء ليبايع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقبض وهو في الطريق -ووالده صحابي- سمع خلقا من الصحابة منهم: العشرة المشهود لهم بالجنة، وليس في التابعين من يروي عنهم غيره. وقيل: لم يسمعnindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف، وعنه جماعة من التابعين، وجلالته متفق [ ص: 238 ] عليها، وهو أجود الناس إسنادا كما قاله nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود .
ومن طرف أحواله أنه روى عن جماعة من الصحابة لم يرو عنهم غيره منهم (أبوه، ودكين) بن سعيد، والصنابحي بن الأعسر، ومرداس الأسلمي - رضي الله عنهم -. مات سنة أربع، وقيل: سبع وثمانين، وقيل: سنة ثمان وتسعين.
وأما الإسناد الثاني: فالراوي عن جرير زياد وهو: أبو مالك زياد بن علاقة -بكسر العين المهملة- بن مالك الثعلبي -بالثاء المثلثة- الكوفي، سمع: جريرا وعمه قطبة بن مالك وغيرهما من الصحابة وغيرهم، وعنه جماعات من التابعين منهم nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش، وكان يخضب بالسواد، وثقوه.
وأما الراوي عنه فهو: nindex.php?page=showalam&ids=12118أبو عوانة -بفتح العين المهملة- الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي سلفت ترجمته واضحة، وكررها النووي، وهي من آخر ما انتهى إليه "شرحه" رحمه الله.
وأما الراوي عنه فهو: nindex.php?page=showalam&ids=16272أبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي البصري المعروف بعارم وكان بعيدا منه، لأن العرامة: الشراسة والفساد، يقال: عرم يعرم عرامة -بالفتح- وصبي عارم أي: شرس، من (العرام) بضم العين. قاله الجوهري .
قال nindex.php?page=showalam&ids=11970أبو حاتم: إذا حدثك عارم فاختم عليه.
وكان nindex.php?page=showalam&ids=16039سليمان بن حرب يقدمه على نفسه إذا خالفه في شيء رجع إلى ما يقول.
وقال عبد الرحمن: سمعت أبي يقول: اختلط nindex.php?page=showalam&ids=16272أبو النعمان في آخر عمره وزال عقله، فمن سمع منه قبل الاختلاط فسماعه صحيح، وكتبت عنه قبل الاختلاط سنة أربع عشرة.
وقد أسلفنا أن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري روى عنه بغير واسطة، وروى مرة عنه بواسطة، وكذا nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم والأربعة.
مات سنة أربع وعشرين ومائتين.
الوجه الثالث:
ذكر nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في الباب ثلاثة أحاديث: حديثين مسندين عن جرير، والثالث حديث: "الدين النصيحة" ذكره معلقا كما تراه، وقد أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في "صحيحه" مسندا من حديث سهيل، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن nindex.php?page=showalam&ids=155تميم الداري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=657090 "الدين النصيحة" (ثلاثة) قلنا: [ ص: 240 ] لمن؟ قال: "لله وبكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم". وليس (لهم) في "صحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم " سواه، ولا أخرج nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري (لهم) شيئا، لأن سهيلا ليس على شرطه.
قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي: ترجم nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري على حديث: "الدين النصيحة" ولم يسنده; لأن راوي الحديث تميم، وأشهر طرقه سهيل بن أبي صالح وليس من شرطه، وروي أيضا عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر من طرق لا بأس بها.
قلت: فقوي إذن. وقد أخرج له nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري مقرونا.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أيضا: سمعت nindex.php?page=showalam&ids=8عليا -يعني: nindex.php?page=showalam&ids=16604ابن المديني- يقول: كان سهيل له أخ (توجد) عليه; فنسي كثيرا من الأحاديث.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم: اجتهد nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وأكثر إخراجه (عنه) في الشواهد مقرونا في أكثر روايته بحافظ لا يدافع، فسلم بذلك من نسبته إلى سوء الحفظ. وأغرب بعض شيوخنا فقال في تعليقه على هذا الصحيح: حديث جرير في النصح شبيه بحديث تميم المذكور عند ابن [ ص: 241 ] خزيمة في كتابه: "السياسة"، ثم ساقه بسياقه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ولا شك أن عزوه إليه أولى.
الوجه الرابع:
النصح نقيض الغش. نصح له ونصحه ينصح نصحا ونصوحا ونصاحة ونصاحة قاله nindex.php?page=showalam&ids=13247ابن سيده، وقال صاحب "الجامع": النصح: بذل المودة والاجتهاد في المشورة.
وقال ابن طريف: نصح قلب الإنسان خلص من الغش، قال الجوهري : وهو باللام أفصح.
وفي "الغريبين": نصحته: صدقته.
الوجه الخامس:
هذا الحديث عظيم جليل حفيل عليه مدار الإسلام لا كما قيل: إنه ربعه; فإن النصيحة كلمة جامعة معناها: حيازة الحظ للمنصوح له، وهو من وجيز الأسماء ومختصر الكلام، ويقال: إنه ليس في كلام العرب كلمة مفردة تستوفي بها العبارة على معنى هذه الكلمة كما قالوا في الفلاح: ليس في كلام العرب كلمة أجمع لخير الدنيا والآخرة منه.
وقيل: النصيحة مأخوذة من نصح الرجل ثوبه إذا خاطه. والنصاح: الخيط، فشبهوا فعل الناصح فيما يتحراه من صلاح المنصوح له بفعل الخياط فيما يسده من خلل الثوب.
[ ص: 242 ] وقيل: إنها مأخوذة من نصحت العسل إذا صفيته من الشمع. شبهوا تخليص القول من الغش بتخليص العسل من الخلط.
وإنما استفصلت (الكلمة) ; لأنها من باب المضاف فقال:
" (لله) ولكتابه" حلها شائعة في كل سهم من سهام الدين، وفي كل طبقة من طبقات أهله.
فأما النصيحة لله فمعناها منصرف إلى الإيمان به ونفي الشرك عنه، وترك الإلحاد في صفاته، ووصفه بصفات الكمال (والجلال) كلها، وتنزيهه -سبحانه وتعالى- عن جميع أنواع النقائص وصفات المحدث، والقيام بطاعته واجتناب مخالفته، والحب فيه والبغض فيه، وموالاة من والاه ومعاداة من عصاه، وجهاد من كفر به، والاعتراف (بنعمه) التي لا تحصى وشكره عليها، والإخلاص له في جميع الأمور، والدعاء إلى جميع هذه الأوصاف، وحث الناس عليها، والتلطف في جمعهم وإرشادهم إليها، وحقيقة هذه الإضافة راجعة إلى العبد في نصحه نفسه; (فالله) تعالى غني عن نصح الناصح وعن العالمين.
[ ص: 243 ] وأما النصيحة لكتابه تعالى فالإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيله، لا يشبهه شيء من كلام (الخلق)، ولا يقدر الإنس والجن لو اجتمعوا على الإتيان بسورة مثله، ثم تعظيمه وتلاوته حقها وتحسينها والخشوع عندها وإقامة ألفاظه، والذب عنه لتأويل الملحدين وتحريف المحرفين وتعرض (الطاعنين)، والتصديق بما فيه، والوقوف مع أحكامه، وتفهم علومه وأمثاله، والاعتبار بمواعظه، والتفكر في عجائبه، والعمل بمحكمه، والإيمان بمتشابهه، والبحث عن عمومه وخصوصه وناسخه ومنسوخه، والعمل بما اقتضى منه عملا، ودوام تدبره، والتصديق بوعده ووعيده إلى غير ذلك.
وأما النصيحة لأئمة المسلمين فهم الخلفاء الراشدون ومن بعدهم ممن يلي أمر الأمة ويقوم، ومن نصحهم: بذل الطاعة لهم في المعروف، والصلاة خلفهم، وجهاد الكفار معهم، وأداء الصدقات إليهم، وترك الخروج عليهم بالسيف إذا ظهر منهم سوء سيرة، وتنبيههم عند الغفلة، وألا يغروا بالثناء الكاذب عليهم، وأن يدعى بصلاحهم، وقد يتأول ذلك في الأئمة الذين هم علماء الدين، ومن [ ص: 244 ] نصحهم: قبول ما رووا إذا انفردوا، وتقليدهم، ومبايعتهم، وحسن الظن بهم.
قال nindex.php?page=showalam&ids=13652الآجري: ولا يكون ناصحا إلا من بدأ بالنصيحة لنفسه فعلمها; ليعلم ويحذر من مكائد الشيطان ويخالف النفس في هواها.
قال عيسى صلوات الله وسلامه عليه: الناصح لله الذي يبدأ بحقه قبل حق الناس، ويبدأ بأمر الآخرة قبل الدنيا.
قال nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري: ما زال لله نصحاء ينصحون الناس في عباده، وينصحون لعباد الله في حق الله (عليهم)، ويعملون له في الأرض بالنصيحة، أولئك خلفاء الله في الأرض.
[ ص: 245 ] الوجه السادس:
مراد nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بهذا الباب: وقوع الدين على العمل; فإنه سمى النصيحة دينا وإسلاما، وبايعه على النصح لكل مسلم كما بايعه على الصلاة والزكاة، فالنصح معتبر بعد الإسلام.
وظن nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال في "شرحه" أن مقصود nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري الرد على من زعم أن الإسلام القول دون العمل، وهو ظاهر العكس; لأنه لما بايعه على الإسلام فشرط عليه: "والنصح" فلو دخل في الإسلام لما استأنف له بيعة.
السابع:
النصيحة فرض على الكفاية لازمة على قدر الطاقة إذا علم الناصح أنه يقبل نصحه ويطاع أمره وأمن على نفسه المكروه، فإن خشي فهو في سعة، فيجب على من علم بالمبيع عيبا أن يبينه بائعا كان أو أجنبيا، ويجب على الوكيل والشريك والخازن النصح.
الثامن:
قد تكون عامة وقد تكون خاصة، وقد سلف ذلك عند حديث عبادة إثر باب علامة الإيمان حب الأنصار، وكان المغيرة واليا على الكوفة nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر بن الخطاب ثم لمعاوية بعده، ومات بها وهو وال عليها سنة خمسين.
ومعنى قوله: ("حتى يأتيكم أمير") أي: يقوم بأمركم وينظر في مصالحكم.
وقوله: ("فإنه كان يحب العفو") جعل الوسيلة إلى عفو الله بالدعاء بأغلب خلال الخير عليه وما كان يحبه في حياته من العفو عمن أذنب إليه، وكذلك يجزى كل أحد يوم القيامة (بأحسن خلقه وعمله في الدنيا).