الهجوع : نوم الليل خاصة . وقيل في معنى الآية : قل ليلة تمر عليهم لم يصيبوا فيها خيرا .
وقوله : (أي : ينامون ) . هو ما فسره به جماعات . قال إبراهيم : قليلا ما ينامون . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك : قليلا من الناس . وقال nindex.php?page=showalam&ids=9أنس : يصلون طويلا ما ينامون . وعن الحسن : كانوا يتنفلون بين العشاء والعتمة .
فعلى قول إبراهيم يجوز أن تكون (ما ) زائدة أو مصدرا مع ما بعدها ، وهو قول أهل اللغة . وعلى قول nindex.php?page=showalam&ids=9أنس والحسن (ما ) نافية . وعلى قول nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك هذا الصنف قليل من الناس .
[ ص: 97 ] وحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم والأربعة ، ويأتي في الدعوات والتوحيد . قال nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي : وفي الباب عن علي nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=67وجبير بن مطعم ورفاعة الجهني nindex.php?page=showalam&ids=4وأبي الدرداء وعثمان بن أبي العاص .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14704الطرقي : في الباب : (ورافع بن عرابة ) nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر بن عبد الله وعمرو بن عنبسة nindex.php?page=showalam&ids=110وأبي موسى . وقال nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي : حديث النزول رواه جماعة منهم أبو بكر وعلي nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود والنواس بن سمعان وأبو ثعلبة الخشني nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة في آخرين . وعدد بعض من أسلفناه .
إذا تقرر ذلك ، فالكلام عليه من أوجه :
أحدها :
الحديث ليس فيه ذكر الصلاة لكنها محل الدعاء والاستغفار والسؤال ، وترجم له في الدعاء باب : الدعاء نصف الليل . ومراده : النصف الأخير . فإنه قال : حين يبقى ثلث الليل الآخر .
ثانيها :
قوله : ( "ينزل " ) هو بضم أوله ، من أنزل . قال nindex.php?page=showalam&ids=13428ابن فورك : ضبط لنا بعض أهل النقل هذا الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، بضم الياء من ينزل ، وذكر أنه ضبط عمن سمع منه من الثقات الضابطين . وكذا قال [ ص: 98 ] nindex.php?page=showalam&ids=11963القرطبي : قد قيده بعض الناس بذلك فيكون معدى إلى مفعول محذوف . أي : ينزل الله ملكا . قال : والدليل على صحة هذا ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من حديث الأغر عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=44وأبي سعيد قالا : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=689461 "إن الله -عز وجل- يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول ، ثم يأمر مناديا يقول : هل من داع فيستجاب له " الحديث . وصححه عبد الحق .
الثالث :
جاء هنا : "حين يبقى ثلث الليل الآخر " .
[ ص: 99 ] وكذا أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في ثلاثة مواضع من "صحيحه " ، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بألفاظ :
أحدها : هذا .
ثانيها : "حين يمضي ثلث الليل الأول " .
ثالثها : "لشطر الليل -أو ثلث الليل- الآخر " .
وذكر nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي أن الرواية الأولى أصح الروايات ، وصححها أيضا غيره ، فذكر nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض أن النزول عند مضي الثلث الأول . و "من يدعوني . . " إلى آخره في الثلث الآخر . وقال : يحتمل الشارع أعلم بالأول فأخبر به ثم بالثاني فأخبر به ، فسمع nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة الخبرين فنقلهما ، nindex.php?page=showalam&ids=44وأبو سعيد خبر الثلث الأول فأخبر به مع nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في "صحيحه " : صح "حين يمضي شطر الليل أو ثلثاه " ، و "حين يبقى ثلث الليل الآخر " ، و "حتى يذهب ثلث الليل الأول " ، فيحتمل أنه في بعض الليالي : حين يبقى ثلث الليل الآخر ، وفي بعضها حين يبقى ثلث الليل الأول .
قلت : ويجوز -والله أعلم- أن يكون ابتداء الأمر من أول الثلث الثاني إلى الثالث .
[ ص: 100 ] ثم اعلم أن صفات القديم جل جلاله إما أن يكون استحقها لنفسه أو لصفة قامت به أو لفعل يفعله ، ولا يطلق شيء من الألفاظ في أوصافه وأسمائه المتفرعة عما تقدم إلا بتوقيف كتاب أو سنة أو اتفاق الأمة دون قياس ، فلا مجال له فيها ، وقيل ما يرد من مثل هذه الأخبار من مثل هذا اللفظ -أعني : ينزل- إلا ونظيره في القرآن . قال تعالى : وجاء ربك والملك صفا صفا [الفجر : 22] و هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام [البقرة : 210] ، وقوله : فأتى الله بنيانهم من القواعد [النحل : 26] وأهل البدع يحملونها إذا وردت في القرآن على التأويل (الصحيح ) ، ويأتون من جمل الأخبار على مثل ذلك جحدا منهم لسنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ، واستخفافا بذوي النهى الناقلين ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره [التوبة : 32] .
ولا فرق بين الإتيان والمجيء والنزول إذا أضيف إلى جسم يجوز عليه الحركة والنقلة التي هي تفريغ مكان وشغل غيره ، فإذا أضيف ذلك إلى من لا يليق به الانتقال والحركة كان تأويل ذلك على حسب ما يليق بنعته وصفته تعالى ، فالنزول لغة يستعمل لمعان خمسة مختلفة : بمعنى الانتقال : وأنزلنا من السماء ماء طهورا [الفرقان : 48] والإعلام : نزل به الروح الأمين [الشعراء : 193] أي : أعلم به الروح الأمين [ ص: 101 ] محمدا - صلى الله عليه وسلم - ، وبمعنى القول : سأنزل مثل ما أنزل الله [الأنعام : 93] أي : سأقول مثل ما قال . والإقبال على الشيء ، وذلك مستعمل في كلامهم جار في عرفهم ، يقولون : نزل من مكارم الأخلاق إلى دنيها . أي : أقبل إلى دنيها ونزل قدر فلان عند فلان إذا انخفض ، وبمعنى نزول الحكم ، من ذلك قولهم : كنا في خير وعدل حتى نزل بنا بنو فلان .
أي : حكمهم . وذلك كله متعارف عند أهل اللغة .
وإذا كانت مشتركة المعنى وجب حمل ما وصف به الرب جل جلاله من النزول على ما يليق به من بعض هذه المعاني التي لا تقتضي له ما لا يليق بنعته من إيجاب حدث يحدث في ذاته ، وهو إقباله على أهل الأرض بالرحمة والاستعطاف بالتذكير والتشبه الذي يلقى في قلوب أهل الخير منهم ، والزواجر التي تزعجهم إلى الإقبال على الطاعة ووجدناه تعالى [ ص: 102 ] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ ص: 103 ] خص بالمدح المستغفرين بالأسحار ، ويحتمل أن يكون ذلك فعلا يظهر بأمره فيضاف إليه كما يقال : ضرب الأمير اللص ، ونادى الأمير في البلد ، وإنما أمر بذلك فيضاف إليه الفعل كما مضى أنه عن أمره ظهر ، إذا احتمل ذلك في اللغة لم ينكر أن يكون لله ملائكة يأمرهم بالنزول إلى السماء الدنيا بهذا الدعاء والنداء فيضاف ذلك إلى الله .
وحديث nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي السالف يعضده ، وقد سئل nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي عن معنى هذا الحديث فقال : يفعل الله ما يشاء ، وهذه إشارة منه إلى أن ذلك فعل يظهر منه -عز وجل- ، وذكر حديث كاتب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك عنه أنه قال في هذا الخبر : ينزل أمره ورحمته ، وقد رواه مطرف عنه أيضا ، وأنكر بعض المتأخرين هذا اللفظ ، فقال : كيف يفارقه أمره ؟ . وهذا كلام من اعتقد أنه ينزل أمره القديم ، وليس كذلك ، وإنما المراد ما أشرنا إليه ، وهو ما يحدث عن أمره ، قال الإمام أبو بكر محمد بن فورك : روى لنا بعض أهل النقل هذا الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما يؤيد هذا التأويل ، وهو بضم الياء من ينزل ، وقد تقدم نقل ذلك عنه ، فإذا كان ذلك محفوظا فوجهه ظاهر .
[ ص: 104 ] وقد سئل بعض العلماء عن حديث التنزيل ، فقال : تفسيره قول إبراهيم حين أفل النجم : لا أحب الآفلين [الأنعام : 76] فطلب ربا لا يجوز عليه الانتقال والحركات ، ولا يتعاقب عليه النزول ، وقد مدحه الله تعالى بذلك وأثنى عليه في كتابه بقوله : وكذلك نري إبراهيم إلى قوله : من الموقنين [الأنعام : 75] فوصفه باليقين ، وحكي عن بعض السلف في هذا الحديث وشبهه الإيمان بها وإجراؤها على ظاهرها ، ونفي الكيفية عنها .
وكان nindex.php?page=showalam&ids=17134مكحول nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري يقولان : أمروا الأحاديث . وقال أبو عبد الله : نحن نروي هذه الأحاديث ولا نرفع بها المعاني . وإلى نحو هذا نحى nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في سؤال الاستواء على العرش .
وحمل nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي مذهبه في هذا الحديث على نحو من ذلك وقال فيما تقدم عنه : نقله حبيب ، وليس حبيب بالقوي . وضعفه غيره أيضا لكنا أسلفنا أنه لم ينفرد به .
سئل nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في "العتبية " عن الحديث الذي جاء في جنازة nindex.php?page=showalam&ids=307سعد بن معاذ في العرش : قال : لا يتحدث به ، وما يدعو الإنسان إلى أن يتحدث به ، وهو يرى ما فيه من التغرير ؟!
قال nindex.php?page=showalam&ids=16338ابن القاسم : لا ينبغي لمن يتقي الله أن يتحدث بمثل هذا . قيل له : فالحديث الذي جاء : إن الله يضحك . فلم يره من هذا وأجازه ، وكذلك حديث النزول . ويحتمل أن يفرق بينهما من وجهين :
أحدهما : أن حديث النزول والضحك صحيحان لا طعن فيهما ، وحديث اهتزاز العرش قد سلف الإنكار له والمخالفة فيه من الصحابة . وحديث الصورة والساق ليس تبلغ أسانيدهما في الصحة درجة حديث النزول .
[ ص: 106 ] والثاني : أن التأويل في النزول أبين وأقرب ، والعذر بسوء التأويل فيها أبعد ، وبالله التوفيق .
وفي الحديث أيضا أن آخر الليل أفضل الدعاء والاستغفار ، قال تعالى : وبالأسحار هم يستغفرون [الذاريات : 18] وروى nindex.php?page=showalam&ids=16883محارب بن دثار ، عن عمه ، أنه كان يأتي المسجد في السحر ويمر بدار nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، فيسمعه يقول : اللهم إنك أمرتني فأطعت ودعوتني فأجبت ، وهذا سحر فاغفر لي . فسئل nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود عن ذلك فقال : إن يعقوب - عليه السلام - أخر نيته إلى السحر بقوله : سوف أستغفر لكم ربي . وروى nindex.php?page=showalam&ids=13999الجريري أن داود سأل جبريل ، أي الليل أسمع ؟ فقال : لا أدري غير أن العرش يهتز في السحر .
وقوله : أسمع ، يريد أنها أرفع للسمع ، والمعنى أنها أولى بالدعاء وأرجى للاستجابة ، وهذا كقول ضماد حين عرض عليه الشارع الإسلام فقال : سمعت كلاما لم أسمع قط كلاما أسمع منه ، يريد أبلغ ولا أنجع في القلب