وهذا الجوار كان معروفا بين العرب يجيرون من لجأ إليهم واستجار بهم، وقد أجار أبو طالب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يكون الجوار إلا من الظلم والعدا. [ ص: 148 ]
فيه: أنه إذا خشي المؤمن على نفسه من ظالم أنه يباح له وجائز أن يستجير بمن يمنعه ويحميه من الظلم، وإن كان مجيره كافرا إن أراد الأخذ بالرخصة، وإن أراد الأخذ بالشدة على نفسه فله ذلك، كما رد nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق الجوار ورضي بجوار الله ورسوله، nindex.php?page=showalam&ids=1والصديق يومئذ كان من المستضعفين، فآثر الصبر على ما يناله من الأذى محتسبا على الله واثقا به، فوفى الله له بما وثق به منه ولم ينله مكروه حتى أذن في الهجرة فخرج مع حبيبه، ونجاهما الله من كيد أعدائهما حتى بلغ مراده - عز وجل - من إظهار النبوة وإعلاء الدين وكان للصديق في ذلك من الفضل والصدق في نصر رسوله وبذله نفسه وماله في ذلك ما لم يخف مكانه ولا جهل موضعه.
وقط - بالتشديد والضم - وهي الأبد الماضي، تقول: ما رأيته قط، قال أبو علي: قط تجزم إذا كانت بمعنى القليل، وتضم وتثقل إذا كانت في معنى الزمن والحين من الدهر تقول: لم أر هذا قط، وليس عندي إلا هذا قط.
وقولها: (وهما يدينان الدين)، أي: يطيعان الله، وذلك أن مولدها بعد البعث بسنتين، وقيل: بخمس، وقيل: بسبع، ولا وجه له؛ لإجماعهم أنها كانت حين هاجر بنت ثمان، وأكثر ما قيل: أن مقامه بمكة بعد البعث ثلاث عشرة، وإنما يصح خمس على قول من يقول: أقام ثلاث عشرة بمكة، وسنتين على قول من يقول: أقام عشرا بها. وتزوجها بنت ست، وقيل: سبع، وبنى بها بنت تسع، ومات عنها وهي بنت ثماني عشرة، وعاشت بعده ثمانيا وأربعين سنة.
وقولها: (خرج أبو بكر مهاجرا) قال الأزهري : أصل المهاجرة عند العرب: خروج البدوي من البادية إلى المدن، يقال: هاجر البدوي: إذا حضر وأقام كأنه ترك الأولى للثانية.
و (الغماد) - بكسر الغين المعجمة في الأصل، وضبطه عند nindex.php?page=showalam&ids=13417ابن فارس بضمها - قال: وهي أرض.
و (الدغنة): بفتح الدال وكسر الغين المعجمة وتخفيف النون، قال أبو الحسن : كذا يرويه جميع الناس، وأهل العربية يضمون الدال والغين ويشددون النون، وعند المروزي بفتح الغين. قال nindex.php?page=showalam&ids=13722الأصيلي : كذا قرأه لنا. وقيل: إنما كان ذلك؛ لأنه كان في لسانه استرخاء لا يملكه، والصواب الأول، يقال: الدثنة، والدغن: الدجن، والدثنة: المسترخية اللحم، والدغنة أمه وقيل: رايته.
و (القارة) حي من العرب، وهم أرمى الناس بالنبل، ومنه المثل: قد أنصف القارة من راماها.
(أسيح): أذهب، لا يريد موضعا بعينه حتى يجد موضعا فيستقر به.
وقوله: (تكسب المعدوم) إلى آخره سلف في الإيمان.
وقول ابن الدغنة: (إن أبا بكر لا يخرج مثله، ولا يخرج)، أي: إن رغب فيه، وكذا ينبغي أن كل من ينتفع بإقامته لا يخرج ويمنع منه إن أراده، حتى قال nindex.php?page=showalam&ids=80محمد بن مسلمة في الفقيه: ليس له أن يغزو؛ لأن ثم من ينوب عنه فيه، وليس يوجد من يقوم مقامه في التعليم، ويمنع [ ص: 150 ] من الخروج إن أراده، واحتج بقوله تعالى: وما كان المؤمنون لينفروا كافة [التوبة: 122].
وقوله: (وأنا لك جار)، أي: مجير؛ لقوله تعالى: وإني جار لكم [الأنفال: 48] والجار يكون المجير والمستجير أي: أنا مؤمنك ممن أخافك منهم.
و (الأشراف) جمع شريف.
وقوله: (فطفق أبو بكر)، هو بكسر الفاء تقول: طفق يفعل كذا مثل ظل مثله، قال صاحب "الأفعال": طفق بالشيء طفوقا: إذا أدام فعله ليلا ونهارا، ومنه قوله تعالى: فطفق مسحا بالسوق [ص: 33].
وقوله: (ثم بدا لأبي بكر)، أي: ظهر له غير ما كان يفعله.
فابتنى مسجدا بفناء داره، وهو أول مسجد بني في الإسلام، قاله أبو الحسن . قال nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي : بهذا يقول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وفريق من العلماء أن من كانت لداره طريق متسع له أن يرتفق منها بما لا يضر بالطريق.
ومعنى (يتقصف عليه): يزدحمون حتى يسقط بعضهم على بعض، وأصله التكسر، ومنه ريح قاصفة: شديدة تكسر الشجر.
وقوله: (أن نخفرك)، هو بضم النون رباعي من أخفر إذا عاهد ثم غدر، وخفرته: منعته وحميته، وأخفرته: نقضت عهده، وأخفرته أيضا جعلت منه خفيرا، وأخفرت القوم أيضا: إذا وصلوا إلى عدوهم، وهي في خفارتك.
و (السبخة) بفتح الباء وصفها بالنخل والسبخة، وكان قبل ذلك رآها بصفة تجمع الحبشة والمدينة، فظنت الحبشة فهاجر بعضهم إليها، ثم أري تمام الصفة فانصرفوا إلى المدينة.
و "رسلك" بكسر الراء هيئتك كما أنت وهو السير الرفيق، أما الرسل - بفتح الراء - فهو السير السهل، وضبطه في الأصل بكسر الراء، وفي بعض الروايات بفتحها.
وقول nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : (وقال أبو صالح : حدثني عبد الله...) إلى آخره، رواه nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي في "صحيحه" من حديث أبي الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح، أنا nindex.php?page=showalam&ids=16472عبد الله بن وهب، أنا يونس، عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري . ومن حديث يونس، أنا nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب، ثم قال: ذكر أبو عبد الله - يعني nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري - من هذا الحديث: لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين، فقط من حديث nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث، عن عقيل، عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري . واقتص باقيه من غير ذكر خبر عن عبد الله بن صالح، أنا عبد الله، عن يونس به. وهو غير nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب، وقد ذكرته بإسناده، عن أبي الطاهر ويونس، عن nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب، وجوده nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر، ولما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=12180أبو نعيم من حديث ابن السرح عن nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب قال: روى - يعني: nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري - حديث يونس، عن أبي صالح المروزي، عن nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك، عن يونس .
وقال الجياني : في رواية nindex.php?page=showalam&ids=12757ابن السكن، قال. أبو صالح سلمويه : ثنا nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك .
قال: وأبو صالح هذا اسمه سليمان بن صالح مروزي، روى [ ص: 152 ] nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن ابن أبي رزمة عنه، وحكى أيضا عن nindex.php?page=showalam&ids=13722الأصيلي، وتبعه المزي .
وأما nindex.php?page=showalam&ids=14299الدمياطي فقال في "حاشية الصحيح" عند أبي صالح : محبوب (د. س) بن موسى الأنطاكي الفراء، عنه، nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي عن رجل عنه، قال nindex.php?page=showalam&ids=12297أحمد بن عبد الله : ثقة صاحب سنة، مات سنة ثنتين أو إحدى وثمانين ومائتين.
خاتمة:
إن قلت: ما وجه هذا الحديث في الكفالة؟ أجاب ابن المنير بأن قال: أدخله في الكفالة، وينبغي أن يناسب كفالة الأداء كما ناسب والذين عقدت أيمانكم [النساء: 33] كفالة الأموال.
ووجهه: أن مجير الصديق كأنه تكفل للجار ألا يضام من جهة من أجاره منهم، وضحى لمن أجاره عمن أجاره منهم لا يؤذيه فتكون العهدة عليه.