التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2740 2897 - حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا سفيان ، عن عمرو ، سمع جابرا ، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنهم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " يأتي زمان يغزو فئام من الناس ، فيقال فيكم من صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ فيقال نعم . فيفتح عليه ، ثم يأتي زمان فيقال : فيكم من صحب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ فيقال : نعم . فيفتح ، ثم يأتي زمان فيقال : فيكم من صحب صاحب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ فيقال : نعم . فيفتح " . [3594 ، 3649 - مسلم: 2532 - فتح: 6 \ 88]


ثم ساق حديث مصعب بن سعد قال : رأى سعد - صلى الله عليه وسلم - أن له فضلا على من دونه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم ؟ " .

وحديث أبي سعيد الخدري ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "يأتي زمان يغزو فئام من الناس ، فيقال فيكم من صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ فيقال نعم . فيفتح عليهم ، ثم يأتي زمان فيقال : فيكم من صحب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ فيقال : نعم . فيفتح ، ثم يأتي زمان فيقال : فيكم من صحب صاحب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فيقال : نعم . فيفتح " .

[ ص: 605 ] الشرح :

التعليق عن ابن عباس سلف أول الكتاب وغيره مسندا .

وحديث سعد من أفراده وعند الإسماعيلي : "إنما نصر " وفي لفظ : "نصر الله هذه الأمة بضعفائهم بدعواتهم وصلواتهم وإخلاصهم " وفي لفظ : ظن أن له فضلا على من دونه من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وللنسائي : "بصومهم وصلاتهم ودعائهم " .

ولعبد الرزاق عن مكحول أن سعدا قال : يا رسول الله ، أرأيت رجلا يكون حامية القوم ، ويدفع عن أصحابه أيكون نصيبه كنصيب غيره ; فقال - صلى الله عليه وسلم - : "ثكلتك أمك يا ابن أم سعد ، وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم ؟! " .

وحديث أبي سعيد سيأتي في أعلام النبوة وغيرها ، وتأويل ذلك أن عبادة الضعفاء ودعاءهم أشد إخلاصا وأكثر خشوعا لخلو قلوبهم من التعلق بزخرف الدنيا وزينتها ، وصفاء ضمائرهم مما يقطعهم عن الله تعالى ، فجعلوا همهم هما واحدا فزكت أعمالهم ، وأجيب دعاؤهم . وعبارة ابن التين تعني : أنهم قليلو المال والعشائر ; لأنهم من قبائل شتى ، يدعون من أقاصي البلاد ، وهم أهل الصفة ، حبسوا أنفسهم لله ، فأكثر قصدهم الغزو والصلاة والدعاء .

قال المهلب : إنما أراد - صلى الله عليه وسلم - بهذا القول لسعد الحض على التواضع ، ونفي الكبر والزهو عن قلوب المؤمنين .

[ ص: 606 ] ففيه من الفقه : أن من زها على من هو دونه ، أنه ينبغي أن يبين من فضله ما يحدث له في نفس المزهو مقدارا وفضلا حتى لا يحتقر أحدا من المسلمين ، ألا ترى أنه - صلى الله عليه وسلم - أبان من حال الضعفاء ما ليس لأهل القوة من الغناء ، فأخبر أن بدعائهم وصومهم وصلاتهم ينصرون .

ويمكن أن يكون هذا المعنى الذي لم يذكره في حديث سعد الذي (ذكرناه ) الذي رأى به الفضل لنفسه على من دونه ، وفي حديث أبي سعيد ما يشهد لصحته ، ويوافق معناه قوله - صلى الله عليه وسلم - : "خيركم قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم " ; لأنه يفتح لهم لفضلهم ثم يفتح للتابعين لفضلهم ، ثم يفتح لتابعيهم ، فأوجب الفضل للثلاثة القرون ، ولم يذكر الرابع ، ولم يذكر له فضلا فالنصر منهم أقل .

وفيه : معجزة لسيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفضله لأصحابه وتابعيهم .

والفئام : بفاء مكسورة وهمزة ، ويقال بتخفيفها ، وثالثة فتح الفاء ذكره ابن عديس ، قال الأزهري والجوهري : العامة تقول فيام بلا همز ، وهي الجماعة من الناس وغيرهم ، قاله صاحب "العين " ، ولا واحد له من لفظه .

وجاء في لفظ : "هل فيكم من رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " بدل من "صحب " ، وهو رد لقول جماعة من المتصوفة القائلين أن سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يره أحد في صورته ، ذكره السمعاني .

التالي السابق


الخدمات العلمية