ففيما روينا ذكر البناء بعد طلوع الشمس على ما قد دخل فيه قبل طلوعها، فكان من الحجة على أهل هذه المقالة أن هذا قد يجوز أن يكون كان من النبي- عليه السلام - قبل نهيه عن الصلاة عند طلوع الشمس ; فإنه قد نهى عن ذلك، وتواترت عنه الآثار بنهيه عن ذلك وقد ذكرنا تلك الآثار أيضا في باب مواقيت الصلاة، فيحتمل أن يكون ما كان فيه الإباحة هو منسوخ بما فيه النهي.
ش: هذا إيراد من أهل المقالة الأولى على ما قاله أهل المقالة الثانية.
بيانه: أن يقال: إنكم حملتم قوله - عليه السلام -: nindex.php?page=hadith&LINKID=666775 "من أدرك من صلاة الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك" على من لم يكن أهلا إذا صاروا أهلا قبل طلوع الشمس كما ذكرناه، فما تقولون فيما رواه nindex.php?page=showalam&ids=12003أبو رافع ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=12031وأبو سلمة عنه أيضا ; فإنه صريح على ذكر البناء بعد طلوع الشمس على ما قد دخل فيه قبل الطلوع؟
وتقرير الجواب أن يقال: إن الآثار قد تواترت عن النبي - عليه السلام - بالنهي عن الصلاة عند طلوع الشمس ما لم يتواتر بإباحة الصلاة عند ذلك، فدل ذلك أن ما كان فيه الإباحة كان منسوخا بما كان فيه التواتر بالنهي.
[ ص: 223 ] فإن قيل: ما حقيقة النسخ في هذا؟ والذي ذكره nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي نسخ بالاحتمال، وهل يثبت النسخ بطريق الاحتمال؟
قلت: حقيقة النسخ ها هنا أنه اجتمع في هذا الموضع محرم ومبيح، وقد تواترت الآثار والأخبار في باب المحرم ما لم تتواتر في باب المبيح، وقد عرف من القاعدة أن المحرم والمبيح إذا اجتمعا يكون العمل للمحرم، ويكون المبيح منسوخا ; وذلك لأن الناسخ هو المتأخر، ولا شك أن الحرمة متأخرة عن الإباحة ; لأن الأصل في الأشياء الإباحة والتحريم عارض، ولا يجوز العكس ; لأنه يلزم النسخ مرتين ; فافهم فإنه كلام دقيق قد لاح لي من الأنوار الربانية.
وقد يجاب عن الأول بأنه محمول على أنه إذا طلعت الشمس بعد صلاته ركعة واحدة يتوقف إلى أن تطلع الشمس ثم يصلي إليها ركعة أخرى.
وإليه ذهب nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف في هذا الباب على ما عرف في الفروع، ووجه ذلك: أنه يكون في هذه الصورة مؤديا بعض الصلاة في وقتها، ولو أفسدنا صلاته في هذه الحالة يكون مؤديا جميع صلاته خارج الوقت، فحينئذ أداء بعض الصلاة في الوقت أولى من أداء الكل خارج الوقت.
وعن الثاني: بأن معنى قوله: "فقد تمت صلاته" يعني تم وجوبها في ذمته بإدراك ذلك القدر في الوقت، فالكلام ليس على ظاهره، ألا ترى أنه لا تتم صلاته حقيقة بإدراك ركعة واحدة، وإنما تمامها بالركعتين جميعا؟ فعلمنا أن قوله: "فقد تمت صلاته" معناه: تم وجوبها لا حقيقة الصلاة.
ثم إنه أخرج الحديثين المذكورين بإسناد صحيح:
أحدهما: عن nindex.php?page=showalam&ids=16639علي بن معبد بن نوح المصري ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16505عبد الوهاب بن عطاء الخفاف أبي نصر العجلي البصري روى له الجماعة nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في غير "الصحيح"، عن nindex.php?page=showalam&ids=12514سعيد بن أبي عروبة مهران العدوي البصري روى له الجماعة، عن nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة بن [ ص: 224 ] دعامة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15826خلاس -بكسر الخاء- بن عمرو الهجري البصري روى له الجماعة، عن nindex.php?page=showalam&ids=12003أبي رافع الصائغ واسمه نفيع المدني روى له الجماعة.
وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في "سننه": من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12514ابن أبي عروبة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15826خلاس ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12003أبي رافع ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، أن رسول الله - عليه السلام - قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=63449 "من صلى من صلاة الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فطلعت ; فليصل إليها أخرى".
والثاني: عن nindex.php?page=showalam&ids=12391إبراهيم بن مرزوق ، عن nindex.php?page=showalam&ids=14797أبي عامر العقدي -واسمه عبد الملك بن عمرو ، وقد تكرر ذكره- عن علي بن المبارك الهنائي البصري روى له الجماعة، عن nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير الطائي روى له الجماعة، عن nindex.php?page=showalam&ids=12031أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف روى له الجماعة.