4157 ص: واحتجنا إلى النظر في الأخبار هل فيها ما يدفع دخول الحرم بغير إحرام؟ وهل فيها ما ينبئ عن معنى في هذين الحديثين المتقدمين يجب بذلك المعنى أن ذلك الدخول الذي كان من النبي -عليه السلام- بغير إحرام خاص له.
[ ص: 263 ] ش: لما استدل أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه من جواز دخول مكة بغير إحرام بحديثي nindex.php?page=showalam&ids=36جابر nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس -رضي الله عنهما- أراد أن يبين وجه حديثهما، وأورد أحاديث عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وغيره تدل على أن دخوله -عليه السلام- مكة كان وهي حلال ساعتئذ؛ فلذلك دخلها غير محرم، وأن ذلك كان خاصا للنبي -عليه السلام- ثم عادت حراما إلى يوم القيامة، فلا يجوز دخولها لأحد بغير إحرام.
وأخرج حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عن nindex.php?page=showalam&ids=13857إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن عمرو بن عون بن أوس الواسطي البزاز شيخ البخاري في كتاب الصلاة، قال nindex.php?page=showalam&ids=12013أبو زرعة nindex.php?page=showalam&ids=11970وأبو حاتم: ثقة حجة، عن nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف القاضي صاحب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17347يزيد بن أبي زياد القرشي الكوفي فيه مقال، فعن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد: حديثه ليس بذاك. وعن يحيى: لا يحتج بحديثه، وعنه ضعيف الحديث. وقال nindex.php?page=showalam&ids=14765العجلي: جائز الحديث، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11970أبو حاتم: ليس بالقوي. روى له nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم مقرونا بغيره واحتج به الأربعة. عن nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد بن جبر عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13863البزار في "مسنده": نا يوسف بن موسى، نا nindex.php?page=showalam&ids=15627جرير ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17347يزيد بن أبي زياد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، قال: قال رسول الله -عليه السلام-: "إن مكة حرام حرمها الله تعالى يوم خلق السماوات والأرض والشمس والقمر، ولم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار ثم عادت، لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا يخاف صيدها ولا ترفع لقطتها إلا لمنشد، فقال nindex.php?page=showalam&ids=18العباس: إلا الإذخر يا رسول الله فإنه لا غنى بأهل مكة عنه، قال: إلا الإذخر".
قال nindex.php?page=showalam&ids=13863البزار: وهذا الحديث قد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس من غير وجه وعن غير nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس بألفاظ مختلفة ومعانيها قريبة، وفي هذا الحديث ألفاظ ليست في حديث غيره، فذكرناه من أجل ذلك، ويزيد بن أبي زياد قد ذكرناه في غير هذا الحديث، فإنه ليس بالقوي ولا نعلم أحدا ترك حديثه من المحدثين لا nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة ولا nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري ولا أحد من أهل العلم، وإنما كان يؤتى لأنه كان في حفظه سوء.
[ ص: 264 ] قلت: بهذا حصل الجواب عما قيل: إن nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي أخرج حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس بإسناد فيه كلام؛ لأنه قصد بذلك ما قصده nindex.php?page=showalam&ids=13863البزار، على أن أهل العلم الكبار ما تركوا حديث nindex.php?page=showalam&ids=17347يزيد بن أبي زياد على ما قاله nindex.php?page=showalam&ids=13863البزار nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود -رحمهما الله-.
وعن nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج، أخبرني عبد الكريم ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس بمثل هذا أو نحو هذا.
قوله: "حرم مكة" أي جعلها حراما، وقد فسر ذلك بقوله: "لم تحل لأحد قبلي ... " إلى آخره.
قوله: "بين هذين الأخشبين" وأراد بهما الجبلين المطيفين بمكة، وهما أبو قبيس والأحمر، وهو جبل مشرف وجهه على قعيقعان، والأخشب كل جبل خشن غليظ، وفي الحديث: "لا تزول مكة حتى يزول أخشباها".
قوله: "إلا ساعة في نهار" لم يرد بها الساعة من الاثنتي عشرة ساعة، والمراد بها القليل من الوقت والزمان، وأنه كان بعض النهار ولم يكن يوما تاما، ودليله: "وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس".
قوله: "لا يختلى خلاها" أي لا يقطع كلاؤها، وقال ابن مالك في كتابه "تحفة المودود": والخلا هو الرطب من الكلأ، الواحدة خلاة، ولامه ياء، لقولهم خليت البقل قطعته وفي "المخصص" تقول: خليت الخلا خليا: جززته، في "المحكم" وقيل: الخلا: كل بقلة قلعتها، وقد يجمع الخلا على أخلاء، حكاه nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة، وأخلت الأرض: كثر خلاها واختلاه: جزه، وقال اللحياني: نزعه وفي كتاب "النبات" للدينوري: الخلا: العشب ما دام رطبا، فإذا يبس فهو حشيش، وقال القاضي: ومعنى لا يختلى خلاها: لا يحصد كلاؤها، والخلا مقصور: الكلاء الرطب، فإذا يبس فهو حشيش وهشيم، وفي "المطالع" لا يختلى خلاها مقصور، ومده بعض الرواة وهو خطأ، وهو العشب الرطب، والاختلاء القطع، فعل مشتق من الخلا، والمخلى مقصورة حديدة يختلى بها الخلا، والمخلاة وعاء يختلى فيه للدابة،
[ ص: 266 ] ثم يسمى كل ما يعتلف فيه مما يعلق في رأسها: مخلاة والخلاء بالمد الموضع الخالي، وأيضا مصدر من خلا يخلو، وقيل: القولان في قول nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة -رضي الله عنها- " [حبب] إليه الخلاء" أي الموضع الخالي، وقيل: أن يخلو.
قوله: "لا يعضد شجرها" أي لا يقطع، يقال: عضد واستعضد بمعنى، كما يقال: علا واستعلى، قال القاضي: وقع في الرواية الأخرى: "شجراؤها" وهو الشجر، وقال nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري: معنى لا يعضد: لا يفسد ويقطع، وأصله من عضد الرجل الرجل: أصاب عضده بسوء، وفي "الموعب" عضدت الشجر أعضده عضدا مثال: ضرب، إذا قطعته، والعضد يقال لكل ما تكسر من الشجر أو قطع وفي "المحكم" الشجر معضود وعضيد.
قوله: "ولا يرفع لقطتها إلا منشد" أي معرف، وأما الطالب فيقال له ناشد، يقال: نشدت الضالة إذا طلبتها، فإذا عرفتها قلت: أنشدتها، وأصل الإنشاد رفع الصوت، ومنه إنشاد الشعر، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=13863البزار وغيره: "ولا يرفع لقطتها إلا لمنشد" أي لأجل منشد أي معرف يعرفها حتى يجيء صاحبها.
قوله: "إلا الإذخر" بكسر الهمزة والخاء المعجمة وبسكون الذال المعجمة، وهو نبت معلوم، وله أصل مندفن وقضبان دقاق ذفر الريح، وهو مثل الأسل أسل الكولان إلا أنه أعرض وأصغر كعوبا، وله ثمرة كأنها مكاميع القصب إلا أنها أرق وأصغر، وقال أبو زياد: الإذخر يشبه في نباته الغرز، والغرز نباته نبات الأسل الذي يعمل منه الحصر، والإذخر أدق منه وله كعوب كثيرة وهو يطحن فيدخل في الطيب، قال أبو نصر: هو من الذكور، وإنما الذكور من البقل، وليس الإذخر من البقل، وله أرومة فينبت فيها فهو بالحلبة أشبه، قال أبو عمر: هو من الحلبة، وقلما
[ ص: 267 ] ينبت الإذخر منفردا، وهو ينبت في السهول والحزون، ويقال: أعذق الإذخر إذا خرج عذقه وكذلك الكبس كأنه مأخوذ من الكباسة وهي العذق وأحجب إذا نبت في نواحيه وإذا حف الإذخر ابيض، وفي "شرح ألفاظ المنصوري": الإذخر خشب يجلب من الحجاز وبالمغرب صنف منه، قيل: هذا أصح ما قيل في الإذخر ويدل عليه قول nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس -رضي الله عنه-: "لبيوتهم وقبورهم" فإن البيوت لا تسقف إلا بالخشب، ولا يجعل على اللحود إلا الخشب ولا يمكن أن تسقف البيوت أو يجعل على اللحود حشيش فإنه غير متماسك لا رطبا ولا يابسا.
قلت: المراد به أنه يسد به الفرج التي تتخلل من لبنات القبر لا أنه يسوى على القبر موضع اللبنات، وكذلك تسد به الفرج التي بين جذوع السقف ولا يسقف به وكذلك الحشيش، فافهم.
ويستفاد منه أحكام:
الأول: فيه دليل على أن مكة حرام فلا يجوز لأحد أن يدخلها إلا بإحرام، وأن دخول النبي -عليه السلام- حلالا كان في الوقت الذي أحلت له مكة.
الثاني: فيه أنه لا يجوز قطع حشيش الحرم مما ينبت بنفسه وعلى هذا الإجماع، فأما الذي يزرعه الناس نحو البقول والخضراوات والقصيل؛ فإن هذا يجوز قطعه واختلاؤه، واختلف في الرعي فيما أنبته الله من خلاها فمنع ذلك nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد، وأجازه nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد .
الرابع: فيه أنه لا يجوز قطع شجر الحرم، قال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر: أجمع العلماء على تحريم قطع شجر الحرم.
وقال في الإمام: اختلف الناس في قطع شجر الحرم هل فيه جزاء أم لا، فعند nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك: لا جزاء فيه، وعند nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي: فيه الجزاء.
[ ص: 268 ] قلت: هذا فيما لم يغرسه الآدمي من الشجر، وأما ما غرسه الآدمي فلا شيء عليه فيه، وحكى nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي أن مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي منع قطع ما غرسه الآدمي من شجر البوادي ونماه، وأنه وغيره مما أنبته الله سواء، واختلف قوله في جزاء الشجر على اختلاف nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة، وعند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الدوحة بقرة وما دونها شاة وعند nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة يؤخذ من قيمة ما قطع فيشترى به هدي، فإن لم يبلغ ثمنه تصدق به بنصف صاع لكل مسكين، وفي بعض شروح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري: قد اختلفوا فيما يجب على من قطع شجرة من شجر الحرم، فقال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور: لا يجب عليه إلا الاستغفار. وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي: عليه الجزاء حلالا كان أو حراما، في الشجرة الكبيرة: بقرة، وقال في الخشب وما أشبهه: فيه قيمته بالغة ما بلغت، وقال الكوفيون: فيها قيمتها والمحرم في ذلك والحلال سواء، وأجمع كل من نحفظ عنه العلم على إباحة أخذ كل ما ينبته الناس في الحرم من البقول والزروع والرياحين، واختلفوا في أخذ السواك من شجر الحرم فعن nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء nindex.php?page=showalam&ids=16705وعمرو بن دينار أنهم رخصوا في ذلك، وحكى nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي، وكان nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء يرخص في أخذ ورق السنا يستمشى به ولا ينزع من أصله، ورخص فيه nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار .
الخامس: لا يجوز رفع لقطتها إلا لمنشد، قال nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض: حكم اللقطة في سائر البلاد واحد، وعند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أن لقطة مكة بخلاف غيرها من البلاد، وأنها لا تحل إلا لمن يعرفها؛ تعلقا بهذا الحديث، ويحمل اللفظ على أصلنا على المبالغة للتعريف؛ لأن الحاج يرجع إلى بلده وقد لا يعود إلا بعد أعوام، فتدعو الضرورة لإطالة التعريف بها بخلاف غير مكة.