(الثانية) المعى بكسر الميم وبالعين المهملة مقصور وفيه لغة أخرى معى بكسر الميم وإسكان العين بعدها ياء ؛ حكاها صاحب المحكم والجمع أمعاء ممدود وهي المصارين.
(الثالثة) اختلف [ ص: 17 ] في المراد بهذا الحديث على أقوال:.
(أحدها) قال nindex.php?page=showalam&ids=13331ابن عبد البر الإشارة فيه إلى كافر بعينه لا إلى جنس الكفار ولا سبيل إلى حمله على العموم ؛ لأن المشاهدة تدفعه ألا ترى أنه قد يوجد كافر أقل أكلا من مؤمن ويسلم الكافر فلا ينقص أكله ؟ ولا يزيد وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=16068سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ما يدل على أنه في رجل بعينه ولذلك جعله nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في موطآته بعده مفسرا له وهذا عموم والمراد به الخصوص فكأنه قال هذا إذ كان كافرا كان يأكل في سبعة أمعاء فلما آمن عوفي وبورك له في نفسه فكفاه جزء من سبعة أجزاء مما كان يكفيه إذ كان كافرا خصوصا له ؛ فكأنه قال هذا الكافر وهذا المؤمن انتهى.
وسبقه إلى ذلك nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي فقال هذا الكافر مخصوص حكاه عنه ابن طاهر في مبهماته.
(الثاني) أن هذا مثل ضرب للمؤمن وزهده في الدنيا وللكافر وحرصه عليها فكأن الكافر لحرصه على الدنيا وجمعها يأكل في سبعة أمعاء، وكأن المؤمن لزهده في الدنيا وتقلله منها يأكل في معى واحد فليس المراد حقيقة الأمعاء ولا حقيقة الأكل وإنما المراد الاتساع في الدنيا والتقلل منها فكأنه عبر بالأكل عن أخذ الدنيا وبالأمعاء عن أسباب ذلك.
(الثالث) أن المراد به أن الغالب من حال المؤمنين قلة الأكل لعلمهم أن مقصود الشرع من الأكل ما يسد الجوع ويمسك الرمق ويقوي على عبادة الله تعالى وخوفهم من حساب الزيادة على ذلك بخلاف الكفار فإنهم غير واقفين مع المقصد الشرعي وإنما هم تابعون لشهوات أنفسهم مسترسلون فيها غير خائفين من تبعة الحرام وورطته فصار أكل المؤمن لما ذكرناه إذا نسب لأكل الكافر كأنه [ ص: 18 ] سبعة وليس ذلك أمرا مطردا في حق كل مسلم، وكافر فقد يكون في المؤمنين من يأكل كثيرا بحسب العادة أو لعارض ويكون في الكفار من يعتاد قلة الأكل إما لمراعاة الصحة كالأطباء أو للتقلل كالرهبان أو لضعف المعدة وحينئذ فهذا خرج مخرج الغالب والسبع على سبيل التقريب دون التحديد.
(الرابع) أن هذا تحضيض للمؤمنين على قلة الأكل إذا علموا أن هذه صفة المؤمن الكامل الإيمان ؛ وتنفير من كثرة الأكل إذا علموا أن هذه صفة الكفار ؛ فإن نفس المؤمن تنفر من الاتصاف بصفة الكفار وهذا كما قال - تعالى - والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم
(السادس) أن المراد بالمؤمن هنا تام الإيمان المعرض عن الشهوات المقتصر على سد خلته والمراد بالكافر المتعدي في طغيانه المنهمك على الدنيا الشديد الإعراض عن الآخرة فأريد مؤمن بوصف مخصوص، وكافر بوصف.
(السابع) قال النووي : المختار أن معناه بعض المؤمنين يأكل في معى واحد وأن أكثر الكفار يأكلون في سبعة أمعاء ولا يلزم أن كل واحد من السبعة مثل معي المؤمن.
(الرابعة) اختلف في المراد بالأمعاء السبعة فحكى nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض عن أهل الطب والتشريح أن أمعاء الإنسان سبعة المعدة ثم ثلاثة أمعاء بعدها متصلة بها البواب والصائم والرقيق وهي كلها رقاق ثم ثلاثة غلاظ الأعور والقولون والمستقيم وطرفه الدبر، وقد نظم ذلك والدي رحمه الله في قوله:
قال nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض فيكون على هذا موافقا لما قاله عليه الصلاة والسلام أن الكافر المذكور وإن كان بعينه أو بعض الكفار أو من يأكل منهم بشرهه وجشعه ولا يذكر اسم الله - تعالى - على أكله لا يشبعه إلا ملء أمعائه السبعة [ ص: 19 ] كالأنعام وآكلة الخضر، والمؤمن المقتصد في أكله يشبعه ملء معى واحد إلى آخر كلامه.
قال: وقيل المراد بالسبعة صفات سبعة: الحرص والشره وبعد الأمل والطمع وسوء الطبع والحسد وحب السمن. قال: وقيل شهوات الطعام على سبعة: شهوة الطبع وشهوة النفس وشهوة العين وشهوة الفم وشهوة الأذن وشهوة الأنف وشهوة الجوع وهي الضرورية التي بها يأكل المؤمن.
وأما الكافر فإنه يأكل بجميع شهواته وحكى nindex.php?page=showalam&ids=12815القاضي أبو بكر بن العربي قريبا من هذا القول عن بعض مشايخ الزهد فذكر الحواس الخمس والحاجة والشهوة.
(الخامسة) اختلف في تعيين الكافر الذي أسلم، وكان سبب ورود الحديث على أقوال:
وذكر nindex.php?page=showalam&ids=12996ابن بشكوال أن كون هذا المبهم هو جهجاه هو الأكثر في الرواية وقال والدي رحمه الله في شرح nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي إنه لا يصح ؛ لأن مدار حديثه على موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف.
[ ص: 20 ] (الثاني) أنه أبو بصرة الغفاري رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في مسنده بإسناد صحيح وجزم به nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب في مبهماته ".
(الثالث) أنه أبو غزوان رواه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني بإسناد صحيح..
(السادس) أنه بصرة بن أبي بصرة الغفاري حكاهما nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض والنووي وغيرهما وحكى nindex.php?page=showalam&ids=12996ابن بشكوال كونه ثمامة بن أثال عن nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق وصدر به nindex.php?page=showalam&ids=15140المازري كلامه، وقال والدي رحمه الله: لم أجد في طريق الحديث ما يدل على هذين القولين.