(قوله - عليه الصلاة والسلام - وقد سئل عن أفضل الأعمال : " الإيمان بالله ") يدل على أن الإيمان من جملة الأعمال ، وهي داخل فيها ، وهو إطلاق صحيح لغة وشرعا ; فإنه عمل القلب وكسبه ، وقد بينا أن الإيمان هو التصديق بالقلب ، وأنه منقسم إلى ما يكون عنه برهان ، وعن غير برهان . ولا يلتفت لخلاف من قال : إن الإيمان لا يسمى عملا ; لجهله بما ذكرناه . ولا يخفى أن الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال كلها ; لأنه متقدم عليها ، وشرط في صحتها ، ولأنه من الصفات المتعلقة ، وشرفها بحسب متعلقاتها ، ومتعلق الإيمان هو الله تعالى ، وكتبه ، ورسله ، ولا أشرف من ذلك ; فلا أشرف في الأعمال من الإيمان ، ولا أفضل منه .
و (قوله : " ثم الجهاد في سبيل الله ") ظاهر هذا الحديث : أن الجهاد أفضل من سائر الأعمال بعد الإيمان ، وظاهر حديث nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر أن الجهاد مساو للإيمان في الفضل ، وظاهر حديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود يخالفهما ; لأنه أخر الجهاد عن الصلاة ، وعن بر الوالدين ، وليس هذا بتناقض ; لأنه إنما اختلفت أجوبته لاختلاف أحوال السائلين ، وذلك أنه - عليه الصلاة والسلام - كان يجيب كل سائل بالأفضل في حقه ، وبالمتأكد [ ص: 276 ] في حقه ; فمن كان متأهلا للجهاد ، وراغبا فيه ، كان الجهاد في حقه أفضل من الصلاة وغيرها ، وقد يكون هذا الصالح للجهاد له أبوان يحتاجان إلى قيامه عليهما ، ولو تركهما لضاعا ; فيكون بر الوالدين في حقه أفضل من الجهاد ، كما قد استأذن رجل النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجهاد ، فقال : أحي والداك ؟ قال : نعم ، قال : ففيهما فجاهد ، وهكذا سائر الأعمال .
وقد يكون الجهاد في بعض الأوقات أفضل من سائر الأعمال ، وذلك في وقت استيلاء العدو ، وغلبته على المسلمين ; كحال هذا الزمان ، فلا يخفى على من له أدنى بصيرة أن الجهاد اليوم أوكد الواجبات ، وأفضل الأعمال ; لما أصاب المسلمين من قهر الأعداء ، وكثرة الاستيلاء ، شرقا وغربا ، جبر الله صدعنا ، وجدد نصرنا .
والحاصل من هذا البحث : أن تلك الأفضلية تختلف بحسب الأشخاص والأحوال ، ولا بعد في ذلك . فأما تفصيل هذه القواعد من حيث هي ، فعلى ما تقدم في حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر الذي قال فيه : بني الإسلام على خمس ، والله أعلم .
والحج المبرور : هو الذي لا يخالطه شيء من المأثم ; قاله شمر ، وقيل هو المقبول ، وذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قيل له : ما بر الحج ؟ فقال : إطعام الطعام ، وطيب الكلام . ويقال : بر حجك ، بضم الباء مبنيا للمفعول ، وبر الله حجك بفتحها للفاعل .