[ 856 ] عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=658655قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار ، فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه ، وجبينه وظهره ، كلما ردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد ، فيرى سبيله ، إما إلى الجنة وإما إلى النار . قيل : يا رسول الله فالإبل ؟ قال : ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها ، ومن حقها حلبها يوم وردها ، إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر ، أوفر ما كانت لا يفقد منها فصيلا واحدا تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها ، كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ، قيل : يا رسول الله ! فالبقر والغنم ؟ قال : ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها ، إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر ، لا يفقد منها شيئا ، ليس فيها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها ، كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد ، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) .
قيل : يا رسول الله ! الخيل ؟ قال : (الخيل ثلاثة ، هي لرجل وزر ، وهي لرجل ستر ، وهي لرجل أجر ، فأما التي هي له وزر . فرجل ربطها رياء وفخرا ونواء على أهل الإسلام ، فهي له وزر ، وأما التي هي له ستر ، فرجل ربطها في سبيل الله ، ثم لم ينس حق الله في ظهورها ولا رقابها ، فهي له ستر ، وأما التي هي له أجر ; فرجل ربطها في سبيل الله لأهل الإسلام في مرج وروضة ، فما أكلت من ذلك المرج أو الروضة من شيء إلا كتب له عدد ما أكلت حسنات ، وكتب له أرواثها وأبوالها حسنات ، ولا تقطع طولها ، فاستنت شرفا أو شرفين إلا كتب الله له عدد آثارها وأرواثها حسنات ، ولا مر بها صاحبها على نهر فشربت منه ولا يريد أن يسقيها إلا كتب الله له عدد ما شربت حسنات . قيل : يا رسول الله! فالحمر ؟ قال : ما أنزل علي في الحمر شيء إلا هذه الآية الفاذة الجامعة : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره
رواه أحمد (2 \ 262 و 276)، ومسلم (987) (26)، وأبو داود (1558 و 1659)، والنسائي (5 \ 12 و 13) .
وقد حمل هذا على الاكتفاء بذكر أحدهما عن الآخر ، كما قال الشاعر :
نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف
وقال الآخر :
لكل هم من الهموم سعه والصبح والمسي لا بقاء معه
[ ص: 25 ] وقيل : أعادها على معنى الكلمات المتقدمة ، وكأنه قال : لا يؤدي من تلك الأمور المذكورات حقها . وأشبه من هذه الأوجه أن يقال : إن الذهب والفضة يقال عليهما : عين لغة ، فأعاد عليها الضمير وهي مؤنثة ، والله أعلم .
وهذا الحديث يدل على أن الذهب والبقر فيهما الزكاة . وإن لم يجئ ذكرهما في حديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر المتقدم ، ولا في كتاب nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر في الصدقة . على ما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري . ولا خلاف في وجوب الزكاة فيهما ، وإن اختلفوا في نصاب البقر على ما يأتي .
وقوله : (فيكوى بها جبينه وجنبه وظهره) ; قيل : إنما خصت هذه المواضع بالكي دون غيرها من أعضائه لتقطيبه وجهه في وجه السائل ، وازوراره عنه بجانبه ، وانصرافه عنه بظهره .
وقوله : (كلما بردت أعيدت) ; كذا رواية nindex.php?page=showalam&ids=12176السجزي ، ولكافة الرواة : كلها " ردت " ، والأول هو الصواب ، فتأمله فإنه هو المناسب للمعنى .
وقوله : في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة قيل : معناه : لو حاسب فيه غير الله سبحانه وتعالى . الحسن : قدر مواقــفهم للحساب . ابن اليمان : كل موقف منها ألف سنة .
[ ص: 26 ] وقوله : ( بطح لها ) ; أي : ألقي على وجهه . قاله بعض المفسرين . وقال أهل اللغة : البطح : هو البسط كيف ما كان على الوجه أو غيره ، ومنه : سميت بطحاء مكة ; لانبساطها .
وقوله : ( بقاع قرقر ) ; أي : بموضع مستو واسع . وأصله : الموضع المنخفض الذي يستقر فيه الماء ، ويقال فيه : قاع ، ويجمع : قيعة ، وقيعان ، مثل : جار وجيرة وجيران . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13967الثعالبي : إذا كانت الأرض مستوية مع الاتساع فهي الخبت والجدجد والصحيح ، ثم القاع والقرقر ، والصفصف .
وقوله : (ليس فيهما عقصاء) ; وهي الملتوية القرن . ورجل أعقص : فيه التواء وصعوبة أخلاق .
( ولا جلحاء ) ; وهي التي لا قرون لها . ( ولا عضباء ) ; وهي المكسورة داخل القرن ، وهو المشاش ، وقد يكون العضب في الأذن ، والمعضوب : الزمن الذي لا حراك به . هذا معنى ما ذكره أبو عبيد . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13147ابن دريد : الأعضب : الذي انكسر أحد قرنيه . وقال غير هؤلاء : الأعضب في القرن والأذن : الذي انتهى القطع إلى نصفه فما فوقه .
قال أبو إسحاق الحربي : والعضب والجذع والخرم والقصو كله في الأذن . وقال أبو عبيدة : القصواء المقطوعة الأذن عرضا ، والمخضرمة : المستأصلة ، والعضب : النصف فما فوقه . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14248الخليل : الخضرمة : قطع الأذن الواحدة .
وقوله : ( كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها ) ; هكذا صحت الرواية . فقيل : هو تغيير وقلب في الكلام ، وصوابه كما جاء في رواية nindex.php?page=showalam&ids=12045أبي صالح ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : (كلما مر عليه أخراها رد عليه أولاها) .
قيل : وهكذا يستقيم الكلام ; لأنه إنما يريد الأول الذي قد مر قبل ، وأما الآخر فلم يمر بعد ، فلا يقال فيه : ردت .
قلت : ويظهر لي أن الرواية الصحيحة ليس فيها تغيير ; لأن معناها : أن أول الماشية كلما وصلت إلى آخر ما تمشي عليه تلاحقت بها أخراها ، ثم إذا أرادت الأولى الرجوع بدأت الأخرى بالرجوع ، فعادت الأخرى أولى ، حتى تنتهي إلى آخره . وهكذا إلى أن يقضي الله بين العباد ، والله تعالى أعلم .
وقوله : ( تطؤه بأظلافها ) : جمع ظلف ، وهو : الظفر من كل دابة مشقوقة الرجل ، ومن الإبل : الخف . ومن الخيل والبغال والحمير : الحافر .
[ ص: 28 ] وقوله : (ونواء لأهل الإسلام) ، وهو بكسر النون والمد ; أي : معاداة . يقال : ناوأته نواء ومناوأة : إذا عاديته . والوزر " : الإثم .
وقد تعلق nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ومن يقول بوجوب الزكاة في الخيل بقوله : (ولم ينس حق الله في رقابها) ; قال : وحق الله هو الزكاة .
ولا حجة فيه ; لأن ذكر الحق هنا مجمل غير مفسر ، ثم يقال بموجبه ; إذ قد يتعين فيها حقوق واجبة لله تعالى في بعض الأوقات : كإخراجها في الجهاد ، وحمل عليها في سبيل الله ، والإحسان إليها الواجب ، والصدقة بما يكتسب عليها إن دعت إلى ذلك ضرورة .
وقوله : ( فهي له ستر ) ; أي : حجاب من سؤال الغير عند حاجته لركوب فرس ; بدليل قوله : (تقنيا وتعففا) ; أي : عن الناس .
وقوله : (وأما التي هي له أجر ، فرجل ربطها في سبيل الله) ; أي : أعدها ، وهو من الربط ، ومنه : الرباط . وهو حبس الرجل نفسه وعدته في الثغور تجاه العدو . و (استنت) ; أي : رعت ، ومنه قولهم : استنت الفصال حتى القرعى .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=15603ثابت : الاستنان : أن تلج في عدوها ذاهبة وراجعة .
والشرف: المرتفع من الأرض . وقال بعضهم : الشرف : الطلق ، فكأنه يقول : جرت طلقا ، أو طلقين .
[ ص: 29 ] وقوله : ( ولا يريد أن يسقيها ) ; أي : يمنعها من شرب يضر بها أو به ; باحتباسها للشرب ، فيفوته ما يؤمله ، أو يقع به ما يخافه .
وقوله : ( ما أنزل علي في الحمر شيء إلا هذه الآية الفاذة الجامعة ) ; أي : القليلة المثل ، المتفردة بمعناها . " الجامعة " ; أي : العامة الشاملة . وهو حجة للقائلين بالعموم فإن لفظة شيء من صيغ العموم ، وهو مذهب الجمهور من الفقهاء والأصوليين .
وهذا منه - صلى الله عليه وسلم - إشارة إلى أنه لم يفسر الله من أحكام الحمر وأحوالها ، ما فسر له في الخيل والإبل وغيرها مما ذكره .