رواه أحمد (2 \ 357)، والبخاري (1898)، ومسلم (1079) .
[ ص: 135 ] (10)
كتاب الصيام
قد تقدم الكلام على الصوم اللغوي ، وأنه الإمساك مطلقا ، وهو في العرف الشرعي : إمساك مخصوص عن أشياء مخصوصة في زمان مخصوص ، بشرط مخصوص . وهذه القيود تحتاج إلى تفصيل يذكر في كتب الفقه . وعلى الجملة : فهذه القيود منها متفق عليه ، ومنها مختلف فيه . فأما حده على مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : فهو إمساك جميع أجزاء اليوم عن أمور مخصوصة ، بنية موقعة قبل الفجر .
و (رمضان) : مأخوذ من : رمض الصائم ، يرمض : إذا حر جوفه من شدة العطش . والرمضاء : شدة الحر ; قاله nindex.php?page=showalam&ids=12076أبو عبيد الهروي .
وقوله : ( فتحت أبواب الجنة ، وغلقت أبواب النار ، وصفدت الشياطين ) ، فتحت : بتخفيف التاء ، وتشديدها . ويصح حمله على الحقيقة ، ويكون معناه : أن الجنة قد فتحت وزخرفت لمن مات في شهر رمضان ; لفضيلة هذه العبادة الواقعة فيه ، وغلقت عنهم أبواب النار ; فلا يدخلها منهم أحد مات فيه . وصفدت الشياطين : غلت وقيدت . والصفد : الغل ، وذلك لئلا تفسد الشياطين على الصائمين .
فإن قيل : فنرى الشرور والمعاصي تقع في رمضان كثيرا ; فلو كانت الشياطين مصفدة لما وقع شر ؟ فالجواب من أوجه :
أحدها : إنما تغل عن الصائمين الصوم الذي حوفظ على شروطه ، وروعيت آدابه ، أما ما لم يحافظ عليه فلا يغل عن فاعله الشيطان .
والثاني : أنا لو سلمنا أنها صفدت عن كل صائم ، لكن لا يلزم من تصفيد جميع الشياطين ، ألا يقع شر ; لأن لوقوع الشر أسبابا أخر غير الشياطين ، وهي : النفوس الخبيثة ، والعادات الركيكة ، والشياطين الإنسية .
والثالث : أن يكون هذا الإخبار عن غالب الشياطين ، والمردة منهم ، وأما من ليس من المردة فقد لا يصفد . والمقصود : تقليل الشرور . وهذا موجود في شهر رمضان ; لأن وقوع الشرور والفواحش فيه قليل بالنسبة إلى غيره من الشهور .
[ ص: 137 ] وقيل : إن فتح أبواب الجنة وإغلاق أبواب النار علامة على دخول هذا الشهر العظيم للملائكة وأهل الجنة ; حتى يستشعروا عظمة هذا الشهر ، وجلالته .
ويحتمل أن يقال : إن هذه الأبواب المفتحة في هذا الشهر هي : ما شرع الله فيه من العبادات ، والأذكار ، والصلوات ، والتلاوة ; إذ هي كلها تؤدي إلى فتح أبواب الجنة للعاملين فيه ، وغلق أبواب النار عنهم .
وتصفيد الشياطين : عبارة عن كسر شهوات النفوس التي بسببها تتوصل الشياطين إلى الإغواء والإضلال ، ويشهد لهذا قوله : (الصوم جنة) ، وقوله : (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، فضيقوا مجاريه بالجوع والعطش) ، على ما قد ذكر ، وقد تقدم اشتقاق الشيطان .