رواه أحمد (3 \ 22 و 71) والبخاري (3043) و (4122)، ومسلم (1768) (64)، وأبو داود (5215) و (5216).
وقوله : ( قوموا لسيدكم أو خيركم ) ; استدل بهذا من قال بجواز القيام للفضلاء ، والعلماء ، إكراما لهم ، واحتراما . وإليه مال عياض ، وقال : إنما القيام المنهي عنه : أن يقام عليه وهو جالس ، وهو الذي أنكره النبي -صلى الله عليه وسلم- على أصحابه ، حيث صلوا قياما وهو قاعد للخدش الذي أصابه ، فقال لهم : (ما لكم تفعلون فعل [ ص: 593 ] فارس والروم ، يقومون على ملوكهم وهم قعود) . وعليه حمل قول nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز : إن تقوموا نقم ، وإن تقعدوا نقعد ، وإنما يقوم الناس لرب العالمين . وقد رويت لعبد الملك جواز قيام الرجل لوالديه ، والزوجة لزوجها . ومذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : كراهية القيام لأحد مطلقا . واستدل له على ذلك بقوله -صلى الله عليه وسلم- : nindex.php?page=hadith&LINKID=650104 (من سره أن يتمثل له الناس قياما ، فليتبوأ مقعده من النار) . وعليه حمل قول nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز . وقد جاء في كتاب nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود مرفوعا : nindex.php?page=hadith&LINKID=676476 (لا تقوموا كما تقوم الأعاجم ، يعظم بعضهم بعضا) . ويعتضد هذا : بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يقم له أحد ، ولا يقوم هو لأحد . هذا هو المنقول من سيرته ، وعليه درج الخلفاء رضوان الله عليهم ، ولو كان القيام لأحد من العظماء مشروعا ، لكان أحق الناس بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخلفاؤه . ولم فلا .
وتأول بعض أصحابنا حديث : ( قوموا إلى سيدكم ) على أن ذلك مخصوص بسعد ، لما تقتضيه تلك الحال المعينة. وقال بعضهم : إنما أمرهم بالقيام له لينزلوه عن الحمار لمرضه ، وفيه بعد . والله تعالى أعلم .
واختلف تأويل الصحابة فيمن عنى النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك ; هل الأنصار خاصة ، أو جميع من حضر من المهاجرين والأنصار ؟ وعلى الجملة : فهي قضية معينة ، محتملة ، والتمسك بالقاعدة المقررة أولى . والله تعالى أعلم.
والسيد : المتقدم على قومه بما فيه من الخصال الحميدة .
[ ص: 594 ] وقوله : ( أو خيركم ) ; على جهة الشك من الراوي ، وفي بعض طرقه في غير كتاب nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم : ( قوموا إلى سيدكم ) من غير شك .
وقوله -صلى الله عليه وسلم- : ( إن هؤلاء نزلوا على حكمك ) ; إنما قال له هذا بعد أن رد له الحكم ، كما قال في الرواية المتقدمة .
وقوله : ( إني أحكم فيهم أن تقتل المقاتلة ، وتسبى الذرية ، وتقسم الأموال ) ; إنما حكم فيهم بذلك لعظيم جناياتهم ، وذلك : أنهم نقضوا ما بينهم وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- من العهد ، ومالؤوا عليه قريشا ، وقاتلوه ، وسبوه أقبح سب ، فاستحقوا ذلك- لعنهم الله- ، فلما حكم فيهم سعد بذلك ، أخبره بأنه قد أصاب فيهم حكم الله ، تنويها به ، وإخبارا بفضيلته ، وانشراح صدره ، وردعا للقوم الذين سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أن يتركهم ، وأن يحسن فيهم ، فإنهم كانوا حلفاءهم ، فلما جعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حكمهم إلى سعد انطلق مواليهم إلى سعد ، فكلموه في ذلك ، وقالوا له : أحسن في مواليك ، فلما أكثروا عليه ، قال : أما إنه قد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم . فلما سمعوا ذلك يئسوا مما طلبوا ، وعزى بعضهم بعضا في بني قريظة . ومن هاهنا تظهر خصوصية سعد بقوله : ( قوموا إلى سيدكم ) ، وإن الأولى أنه إنما قال ذلك لقومه خاصة دون غيرهم ; لأن قومه كلهم مالوا إلى إبقاء بني قريظة ، والعفو عنهم ، إلا ما كان منه رضي الله عنه لا جرم لما مات اهتز له عرش الرحمن. وسيأتي بيان معناه ، إن شاء الله تعالى . وفيه دليل لمذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في تصويب أحد المجتهدين ، وإن لله في الواقع حكما معينا ، فمن أصابه [ ص: 595 ] فهو المصيب ، ومن لم يصبه ، فهو المخطئ ، لكنه لا إثم عليه إذا اجتهد . وقد تقدم هذا المعنى . وغاية ما في هذا الحديث : أن بعض الوقائع فيها حكم معين لله ، لكن من أين يلزم منه أن يكون حكم كل واقعة كذلك ؟ بل يقال : إنها منقسمة إلى ما لله فيه حكم معين ، ومنها ما ليس لله فيه ذلك ، وتكميل ذلك في علم الأصول .
وقوله : ( لقد قضيت بحكم الملك ) ; الرواية بكسر اللام ، وهو الله تعالى . وكذلك الرواية الأخرى : (بحكم الله) ، وفي غير كتاب nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم : (لقد حكمت بحكم الله من فوق سبع أرقعة) ، وهي السماوات ، وهو جمع رقيع ، كرغيف ، وأرغفة . والفوقية هنا راجعة إلى أن الله تعالى أظهر الحكم لمن هناك من ملائكته ، أو أثبته في اللوح المحفوظ . ونسبة الفوقية المكانية إلى الله تعالى محال ; لأنه منزه عن الفوقية ، كما هو منزه عن التحتية ; إذ كل ذلك من لوازم الأجرام ، وخصائص الأجسام ، ويتقدس عنها الذي ليس كمثله شيء من جميع الأنام .