رواه أحمد ( 1 \ 182 ) ، والبخاري ( 1478 ) ، ومسلم ( 150 ) ، وأبو داود ( 4683 ) و (4684 ) و (4685 ) ، والنسائي ( 8 \ 103 - 104 ) .
[ ص: 366 ] (49) ومن باب إعطاء من يخاف على إيمانه
(قوله : " أعط فلانا فإنه مؤمن ، فقال : أو مسلم ") دليل على صحة ما قدمناه من الفرق بين حقيقتي الإيمان والإسلام ، وأن الإيمان من أعمال الباطن ، وأن الإسلام من أعمال الجوارح الظاهرة ، وفيه رد على غلاة المرجئة والكرامية ، حيث حكموا بصحة الإيمان لمن نطق بالشهادتين وإن لم يعتقد بقلبه ، وهو قول باطل قطعا ; لأنه تسويغ للنفاق .
وفيه حجة لمن يقول : أنا مؤمن بغير استثناء . وهي مسألة اختلف فيها السلف ، فمنهم المجيز والمانع . وسبب الخلاف النظر إلى الحال أو إلى المآل ، فمن منع خاف من حصول شك في الحال أو تزكية ، ومن أجاز صرف الاستثناء إلى الاستقبال وهو غيب في الحال ; إذ لا يدري بما يختم له . والصواب : الجواز إذا أمن الشك والتزكية ، فإنه تفويض إلى الله تعالى .
و (قوله : " أو مسلما ") الرواية بسكون الواو ، وقد غلط من فتحها وأحال المعنى ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرد استفهامه ، وإنما أشار له إلى القسم الآخر المختص بالظاهر الذي يمكن أن يدرك ، فجاء بأو التي للتقسيم والتنويع .
[ ص: 367 ] و (قوله : " مخافة أن يكبه الله في النار ، الرواية يكبه بفتح الياء وضم الكاف ، من كب ثلاثيا . ولا يجوز هنا غيره ; لأن رباعيه لازم ، ولم يأت في لسان العرب فعل ثلاثيه متعد ورباعيه غير متعد إلا كلمات قليلة ، يقال : أكب الرجل وكببته ، وأقشع الغيم وقشعته الريح ، وأنسل ريش الطائر ووبر البعير ونسلته أنا ، وأنزفت البئر : قل ماؤها ونزفتها أنا ، وأمرت الناقة : قل درها ومريتها أنا ، وأشنق البعير أي : رفع رأسه ، وشنقته أنا .
و (قوله : " والله إني لأراه مؤمنا ") الرواية بضم الهمزة ، بمعنى أظنه ، وهو من سعد حلف على ما ظنه ، فكانت هذه اليمين لاغية ، ولذلك لم ينكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا أمره بكفارة عنها ، فكان فيه دليل على جواز الحلف على الظن ، وأنها هي اللاغية ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك والجمهور .
و (قوله : " أقتالا ؟ أي سعد ! ") هو مصدر ، أي : أتقاتلني قتالا ؟ فحذف الفعل ; لدلالة المصدر عليه . ومعنى القتال هنا : الدفع والمكابدة ، وهذا كقوله في المار بين يدي المصلي : فإن أبى ، فليقاتله ، أي : فليدافعه ويمنعه من المرور .