قوله : ( سابق بالخيل التي قد أضمرت من الحفياء ) ; المسابقة مفاعلة ، ولا تكون إلا من اثنين ، وذلك : أن المتسابقين إذا جعلا غاية ، وقصدا نحوها ، فإن كل واحد منهما يسابق صاحبه إليها . وإضمار الخيل: هو أن تسمن وتصان ، ثم يقلل علفها ، ثم تجرى على التدريج ، وتجلل ليجف عرقها ، فتتصلب بفعل ذلك بها ، حتى يذهب لحمها ، وتبقى فيه القوة .
و ( الحفياء ) : موضع . و (الأمد) : الغاية . وبين الحفياء وثنية الوداع خمسة أميال أو ستة على ما قاله سفيان . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13369ابن عقبة : ستة أميال ، أو سبعة . وسميت ثنية الوداع بذلك : لأن الخارج منها يودع مشيعه عندها ، وهي التي قالت فيها نساء الأنصار فيما يحكى :
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
يعنون بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- . وبين الثنية ومسجد بني زريق ميل واحد . و (زريق) بتقديم الزاي هو الصواب .
[ ص: 701 ] ولا خلاف في جواز تضمير الخيل والمسابقة بها على الجملة ، وكذلك الإبل ، وعلى الأقدام ، كما جرى في حديث nindex.php?page=showalam&ids=119سلمة بن الأكوع ، وكذلك المراماة بالسهام ، واستعمال الأسلحة ، ولا شك في جواز شيء من ذلك ; إذا لم يكن هنالك مراهنة ; لأن ذلك كله مما ينتفع به في الحروب ، ويحتاج إليه . إنما اختلفوا : هل ذلك من باب الندب ، أو من باب الإباحة إذا لم يحتج إلى ذلك ، فإن احتيج إلى شيء من ذلك كان حكمه بحسب الحاجة .
وأما المراهنة : فأجازها على الجملة nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي في الخف والحافر ، والنصل ، وذلك على ما يروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=689184لا سبق إلا في خف ، أو حافر ، أو نصل ) ، على أنه لا يروى هذا الحديث بإسناد صحيح ، وهو مع ذلك مشهور عند العلماء ، متداول بينهم . وقد منع بعض العلماء الرهان في كل شيء إلا في الخيل ; لأنها التي كانت عادة العرب المراهنة عليها . وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء : السبق في كل شيء جائز . وقد تؤول عليه ; لأن حمله على العموم في كل شيء يؤدي إلى إجازة القمار . وهو محرم باتفاق . ثم إن الذين أجازوا الرهان شرطوا فيها شروطا ، وذكروا لها صورا منها متفق على جوازها ، ومنها متفق على منعها ، ومنها مختلف فيها . فالمتفق عليها : أن يخرج الإمام أو غيره متطوعا سبقا ، ولا فرس له في الحلبة ، فمن سبق فله ذلك السبق . وأما المتفق على منعه : فهو أن يخرج كل واحد من المتسابقين سبقا ، ويشترط أنه إن سبق أمسك سبقه ، وأخذ سبق صاحبه . فهذا قمار ، فلا يجوز باتفاق ; إذا لم يكن بينهما محلل . فإن أدخلا بينهما محللا يكون له السبق ، ولا يكون عليه شيء إن سبق . فهذه مما اختلف فيها ، فأجازها [ ص: 702 ] nindex.php?page=showalam&ids=15990ابن المسيب ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك مرة ، والمشهور عنه : أنه لا يجوز .
قلت : والصحيح : جوازه إن كان المحلل لا يأمن أن يسبق ; لما خرجه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود عن nindex.php?page=showalam&ids=16006سفيان بن حسين ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=910080 (من أدخل فرسا بين فرسين ، وهو لا يأمن أن يسبق فليس بقمار ، ومن أدخله وقد أمن أن يسبق فهو قمار) . وأما إذا لم يكن بينهما محلل لم يجز ; لأن مقصودهما المخاطرة ، والمقامرة . وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ، وإسحاق . وقد حكي فيها الاتفاق ، فلو كان للوالي أو غيره فرس في الحلبة ، فيخرج سبقا على أنه إن سبق هو حبس سبقه ، وإن سبق أخذ السبق السابق ; فأجازها nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة ، وهو أحد أقوال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ; لأن الأسباق على ملك أربابها ، وهم فيها على ما شرطوه . ومنع ذلك nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في قول آخر ، وبعض أصحابه ، nindex.php?page=showalam&ids=15885وربيعة ، nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، وقالوا : لا يرجع إليه سبقه ، وإنما يأكله من حضر إن سبق مخرجه ، إن لم يكن مع المتسابقين ثالث .
والمسابقة عقد لازم كالإجارة ، فيشترط في السبق ما يشترط في الأجرة من انتفاء الغرر والجهالة . ومن شرط جوازها : أن تكون الخيل متقاربة في النوع والحال . فمتى جهل حال أحدها ، أو كان مع غير نوعه ، كان السبق قمارا باتفاق .
وقول nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : ( فجئت سابقا ، فطفف بي الفرس المسجد ) ; أي : زاد على [ ص: 703 ] الغاية المفروضة . وأصل التطفيف : العلو ومجاوزة الحد . ومنه قالوا : طفف كذا ; أي : علا . وإناء طفان ; أي : علا ما فيه . ومنه : التطفيف في الكيل ; فإنه إذا أخذ لنفسه فقد علا على الحق . وإذا نقص غيره فقد أعلى حقه على حقه .