(قوله: إن أخت الربيع أم حارثة جرحت إنسانا ) كذا وقع هذا اللفظ في كتاب [ ص: 35 ] nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم . قال nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض : المعروف: أن الربيع هي صاحبة القصة. وكذا جاء الحديث في nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في الروايات الصحيحة: أنها الربيع بنت النضر وأخت أنس بن النضر ، وعمة nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك وأن الذي أقسم هو أخوها أنس بن النضر ، وكذا في المصنفات، وجاء مفسرا عند nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وغيره: nindex.php?page=hadith&LINKID=656386أنها لطمت جارية، فكسرت ثنيتها. ورواية nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري هذه تدل على أن الإنسان المجروح المذكور في رواية nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم هو جارية، فلا يكون فيه حجة لمن ظن أنه رجل، فاستدل به على أن القصاص جار بين الذكر والأنثى فيما دون النفس.
والصحيح: أن الإنسان ينطلق على الذكر والأنثى وهو من أسماء الأجناس، وهي تعم الذكر والأنثى، كالفرس يعم الذكر والأنثى، والجمهور من السلف والخلف على جريان القصاص بين الذكر والأنثى، فيقتل الذكر بالأنثى إلا خلافا شاذا عن الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ، وروي ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب وهم محجوجون بقوله تعالى: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس [المائدة: 45] فعم، وبأنه قد تقدم: nindex.php?page=hadith&LINKID=652236أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل اليهودي بالجارية. فأما قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى [البقرة: 178] فإنما اقتضت بيان حكم النوع إذا قتل نوعه، فبينت حكم الحر إذا قتل حرا، والعبد إذا قتل عبدا، والأنثى إذا قتلت أنثى، ولم تتعرض لأحد النوعين إذا قتل الآخر، لكن بين ذلك بقوله تعالى: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس [المائدة: 45] وبينه النبي - صلى الله عليه وسلم - بسنته لما قتل اليهودي بالمرأة، وأما القصاص بين الرجل والمرأة فيما دون النفس: فهو قول الجمهور أيضا، وخالفهم في ذلك ممن يرى القصاص بينهما في النفس nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ، وحماد ، فقالا: لا قصاص بينهما فيما دون النفس، وهما محجوجان بإلحاق ما دون النفس على طريق الأحرى والأولى؛ وذلك أنهما قد وافقا الجمهور على أن الرجل يقتل بالمرأة مع عظم حرمة [ ص: 36 ] النفس.
ولا شك أن حرمة ما دون النفس أهون من حرمة النفس، فكان القصاص فيها أحرى وأولى، وفي المسألتين مباحث مستوفاة في علم الخلاف.
و(قوله: القصاص، القصاص ) الرواية بنصب القصاص في اللفظين، ولا يجوز غيره، وهو منصوب بفعل مضمر لا يجوز إظهاره، تقديره: ألزمكم القصاص، أو: أقيموا القصاص، غير أن هذا الفعل لا تظهره العرب قط; لأنهم استغنوا عنه بتكرار اللفظ، كما قالوا: الجدار الجدار، والصبي الصبي.
ولما فهم أنس بن النضر - على ما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، أو أم الربيع على ما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم - لزوم القصاص; عظم عليه أن تكسر ثنية الجانية، فبذلوا الأرش; فلم يرض أولياء المجني عليها به، فكلم أهلها في ذلك، فأبوا، فلما رأى امتناعهم من ذلك، وأن القصاص قد تعين قال: أيقتص من فلانة، والله لا يقتص منها؟! ثقة منه بفضل الله تعالى، وتعويلا عليه في كشف تلك الكربة، لا أنه رد حكم الله وعانده، بل هو منزه عن ذلك؛ لما علم من فضله، وعظيم قدره، وبشهادة النبي - صلى الله عليه وسلم - بما له عند الله تعالى من المنزلة، وهذا التأويل أولى من تأويل من قال: إن ذلك القسم كان منه على جهة الرغبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - أو للأولياء; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أنكر ذلك عليه بقوله: nindex.php?page=hadith&LINKID=660182 (سبحان الله! كتاب الله القصاص) ولو كان رغبه لما أنكره.
ففيه: العمل بشرع من قبلنا إذا صح عندنا، ولم يثبت في شرعنا ناسخ له، ولا مانع منه. وقد اختلف في ذلك الفقهاء والأصوليون. وفي المذهب فيه [ ص: 37 ] قولان، ووجه هذا الفقه قوله: (كتاب الله القصاص) وليس في كتاب الله القصاص في السن إلا في قوله تعالى حكاية عما حكم به في التوراة في قوله تعالى: وكتبنا عليهم فيها الآية، إلى قوله: والسن بالسن [المائدة: 45]