السرقة والسرق - بكسر الراء فيهما -: هو اسم الشيء المسروق، والمصدر من (سرق يسرق): سرقا - بفتح الراء - كذا قاله الجوهري وأصل هذا اللفظ إنما هو: أخذ الشيء في خفية. ومنه: استرق السمع. وسارقه النظر. قال ابن عرفة : [ ص: 71 ] السارق عند العرب هو: من جاء مستترا إلى حرز فأخذ منه ما ليس له، فإن أخذ من ظاهر فهو مختلس، ومستلب، ومنتهب، ومحترس؛ فإن منع مما في يده فهو غاصب له.
قلت: وهذا الذي قاله ابن عرفة هو السارق في عرف الشرع.
ويستدعي النظر في هذا الباب النظر في السارق، والمسروق منه، والشيء المسروق، وحكم السارق. ولا خلاف في أن السارق إذا كملت شروطه يقطع دون الغاصب، والمختلس، والخائن. وفيمن يستعير المتاع فيجحده خلاف شاذ، حكي عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، وإسحاق ، فقالا: يقطع، والسلف والخلف على خلافهما. وسيأتي القول في حديث المخزومية.
وإنما خص الشرع القطع بالسارق; لأن أخذ الشيء مجاهرة يمكن أن يسترجع منه غالبا، والخائن مكنه رب الشيء منه، وكان متمكنا من الاستيثاق بالبينة، وكذلك المعير، ولا يمكن شيء من ذلك في السرقة، فبالغ الشرع في الزجر عنها - لما انفردت به عن غيرها - بقطع اليد.
و(قول nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة - رضي الله عنها -: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] يقطع في ربع دينار [ ص: 72 ] فصاعدا ) وفي الطريق الأخرى: ( لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا ) هذا تقرير لقاعدة ما تقطع فيه يد السارق من النبي - صلى الله عليه وسلم – وبلفظه، لكنه ظاهر فيما إذا كان المسروق ذهبا، فلو كان غير ذهب، وكان فضة، فهل يعتبر قيمتها بالذهب; فإن سويت ربع دينار فصاعدا قطع فيها، أو إنما تعتبر بنفسها; فإذا بلغت ثلاثة دراهم وزنا قطع فيها، فيكون كل واحد من الذهب والفضة أصلا معتبرا بنفسه; قولان:
الأول: nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث بن سعد ، nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور ، وهو مروي عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي ، nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان ، وبه قالت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز . والثاني: nindex.php?page=showalam&ids=16867لمالك وأصحابه.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وإسحاق : إن سرق ذهبا فربع دينار، وإن سرق غير الذهب والفضة فكانت قيمته ربع دينار، أو ثلاثة دراهم من الورق، وهذا نحو مما صار إليه nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في أحد القولين. وفي المشهور: أنه إنما تقوم العروض بالدراهم، كما قال في حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر .
وقال بعض أصحابنا: يقوم بالغالب في موضع السرقة من الذهب والفضة كما تقوم المتلفات، وهو القياس. وهذان القولان ناشئان من حديثي nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر المذكورين في هذا الباب.
وقد نقلت أقوال عن كثير من السلف والعلماء في تحديد نصاب السرقة لم يثبت فيها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث معتمد، ولا لها في الأصول ظاهر مستند; فمنها ما روي عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، وقال به nindex.php?page=showalam&ids=16049سليمان بن يسار ، nindex.php?page=showalam&ids=16438وابن شبرمة وهو: أن الخمس لا تقطع إلا في خمس.
ومنها: [ ص: 73 ] أنها لا تقطع إلا في عشرة دراهم، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء ، والنعمان ، وصاحباه.
ومنها: أنها تقطع في أربعة دراهم فصاعدا، وهو مروي عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، nindex.php?page=showalam&ids=44وأبي سعيد .
ومنها: أنها تقطع في درهم فما فوقه، وهو مروي عن nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان .
ومنها: أنها تقطع في كل ما له قيمة، وروي عن الحسن في أحد أقواله، وهو قول الخوارج وأهل الظاهر [واختاره ابن بنت الشافعي ].
ومنها: أنها لا تقطع في أقل من درهمين، وروي عن الحسن .
ومنها: أنها لا تقطع في أقل من أربعين درهما، أو أربعة دنانير. وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي .
قلت: وهذه كلها أقوال متكافئة، خلية عن الأدلة الواضحة الشافية، ولا يصح ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=15689الحجاج بن أرطاة عن nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: ( لا تقطع يد السارق في أقل من عشرة دراهم ) لضعف إسناده، ولما يعارضه من قوله في "الصحيح": ( nindex.php?page=hadith&LINKID=849418لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا ) ولا حجة لمن احتج بقوله - صلى الله عليه وسلم -: ( nindex.php?page=hadith&LINKID=656285لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده ) لأنه وإن احتمل أن يراد بالبيضة بيضة الحديد، وبالحبل حبل السفن، كما قد قيل فيه: فالأظهر من مساقه: أنه يراد به التقليل، لكن أقل ذلك القليل مقيد بقوله: ( nindex.php?page=hadith&LINKID=30511لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار ) وهذا نص، وبقول nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة : لم تكن يد السارق تقطع في الشيء التافه، خرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وغيره. وهذا منها خبر عن عادة الشرع الجارية عندهم، ومعلوم أن الواحدة من بيض الدجاج، والحبل الذي يشد [ ص: 74 ] به المتاع والرحل تافه. وإنما سلك النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث مسلك العرب فيما إذا أغيت في تكثير شيء أو تحقيره، فإنها تذكر في ذلك ما لا يصح وجوده، أو ما يندر وجوده إبلاغا في ذلك، فتقول: لأصعدن بفلان إلى السماء، ولأهبطن به إلى تخوم الثرى. وفلان مناط الثريا. وهو مني مقعد القابلة. ومن بنى لله مسجدا ولو مثل مفحص قطاة بني له بيت في الجنة. ولا يتصور مسجد مثل ذلك. وتصدقن ولو بظلف محرق، وهو مما لا يتصدق به. ومثل هذا كثير في كلامهم، وعادة لا تستنكر في خطابهم.
وقيل في الحديث: إنه إذا سرق البيضة أو الحبل ربما حمله ذلك على أن يسرق ما يقطع فيه، لأنه ربما يجترئ على سرقة غيرهما، فيعتاد ذلك فتقطع يده.