الملائكة هنا - وإن كان عموما - فالمراد به الخصوص، فإن الحفظة ملازمة للإنسان. هكذا قاله بعض علمائنا. والظاهر العموم، والمخصص ليس نصا. وكذلك قوله: كلب وصورة; كلاهما للعموم; لأنهما نكرتان في سياق النفي. وقد ذهب بعض العلماء إلى أن المراد به: الكلاب التي لم يؤذن في اتخاذها، فيستثنى من ذلك: كلب الصيد، والماشية والزرع. وأما الصورة: فيراد بها التماثيل من ذوات الأرواح. ويستثنى من ذلك الصورة المرقومة، كما نص عليه في الحديث، على ما يأتي.
وإنما لم تدخل الملائكة البيت الذي فيه التمثال; لأن متخذها في بيته قد [ ص: 422 ] تشبه بالكفار الذين يتخذون الصور في بيوتهم، ويعظمونها، فكرهت الملائكة ذلك منه، فلم تدخل بيته هجرانا له، وغضبا عليه. واختلف في المعنى الذي في الكلب المانع للملائكة من الدخول. فذهبت طائفة: إلى أنه النجاسة. وهو من حجج من قال بنجاسة الكلب. وتأيد في ذلك بنضحه - صلى الله عليه وسلم - موضع الكلب.
قلت: وهذا ليس بواضح، وإنما هو تقدير احتمال يعارضه احتمالات أخر:
أحدها: أنها من الشياطين، كما جاء في بعض الحديث.
وثانيها: استخباث روائحها، واستقذارها.
وثالثها: النجاسة التي تتعلق بها; فإنها تأكلها وتتلطخ بها، فتكون نجسة بما يتعلق بها، لا لأعيانها. والمخالف يقول: هي نجسة الأعيان. وعلى ما قلناه: يصح أن يقال: إنه - صلى الله عليه وسلم - شك في طهارة موضعه; لإمكان أن يكون أصابه من النجاسة اللازمة لها غالبا شيء، فنضحه; لأن النضح طهارة للمشكوك فيه، فلو تحقق إصابة النجاسة الموضع لغسله; كما فعل ببول الأعرابي، ولو كان الكلب نجسا لعينه لا لما يتعلق به لما احتاج إلى غسله، كما لا يحتاج إلى غسل الموضع أو الثوب الذي يكون عليه عظم ميتة، أو نجاسة لا رطوبة فيها. وعلى هذا: فهذا الاحتمال أولى أن يعتبر، فإن لم يكن أولى فالاحتمالات متعارضة، والدست قائم، ولا نص حاكم.