( قوله صلى الله عليه وسلم: " أنا محمد ، وأنا أحمد ") كلاهما مأخوذ من الحمد، وقد تكلمنا على الحمد في أول الكتاب. فمحمد: مفعل من حمدت الرجل مشددا: إذا نسبت الحمد إليه، كما يقال: شجعت الرجل، وبخلته: إذا نسبت ذلك إليه، فهو بمعنى المحمود. والنبي صلى الله عليه وسلم أحق الخلق بهذا الاسم، فإن الله تعالى قد حمده بما لم يحمد به أحدا من الخلق، وأعطاه من المحامد ما لم يعط مثله أحدا من الخلق، ويلهمه يوم القيامة من محامده ما لم يلهمه أحدا من الخلق، وقد حمده أهل السماوات والأرض والدنيا والآخرة، حمدا لم يحمد به أحدا من الخلق، فهو أحمد المحمودين، وأحمد الحامدين.
و ( قوله: " وأنا الماحي الذي يمحى بي الكفر ") أي: من الأرض التي زويت له، وأري أن ملك أمته سيبلغه، أو يعني بذلك: أنه محي به معظم الكفر وغالبه بظهور دينه على كل الأديان بالحجج الواضحة، والغلبة العامة الفادحة، كما قد صرح به الحق بقوله: ليظهره على الدين كله [التوبة: 33].
و (قوله: " وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على عقبي ") الحاشر: اسم [ ص: 146 ] فاعل من حشر، أي: جمع. فيعني به: أنه الذي يحشر الخلق يوم القيامة على أثره، أي: ليس بينه وبين القيامة نبي آخر، ولا أمة أخرى، وهذا كما قال: " بعثت أنا والساعة كهاتين " وقرن بين أصبعيه: السبابة والوسطى.
وقوله في الرواية الأخرى: " على قدمي " قيل فيه: على سابقتي، كما قال تعالى: أن لهم قدم صدق عند ربهم [يونس: 2] أي: سابقة خير وإكرام. وقيل: على سنتي. وقيل: بعدي، أي: يتبعوني إلى يوم القيامة. وهذا أشبهها؛ لأنه يكون معناه معنى عقبي؛ لأنه وقع موقعه في تلك الرواية، ووجه توسعه فيه: كأنه قال: يحشر الناس على أثر قدمي، أي: بعدي. والله أعلم.
و (قوله صلى الله عليه وسلم: " وأنا العاقب ") وفي الرواية الأخرى: " المقفي " ومعناهما واحد، وهو أنه صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء، وخاتمهم، وأكرم أعقابهم، وأفضل من قبلهم. وقفاهم، أي: كان بعدهم، واتبع آثارهم. قال nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري : المقفي: المتبع للنبيين قبله، يقال: قفوته، أقفوه، وقفيته: إذا تبعته، ومثله: قفته، أقوفه، ومنه قوله تعالى: ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم ، [الحديد: 27]. ولا تقف ما ليس لك به علم [الإسراء: 36] وقافية كل شيء: آخره.