وقول السائل: " من أكرم الناس؟ " معناه: من أولى بهذا الاسم، ولذلك أجابه النبي صلى الله عليه وسلم بجواب كلي، فقال: " أتقاهم "، وهذا منتزع من قوله تعالى: إن أكرمكم عند الله أتقاكم [الحجرات: 13] فلما قالوا: ليس عن هذا نسألك، نزل عن ذلك إلى ما يقابله، وهو الخصوص بشخص معين، فقال: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ؛ لأنه نبي بن نبي بن نبي بن نبي، فإن هذا لم يجتمع لغيره من ولد آدم، فهو أحق الناس المعنيين بهذا الاسم. فلما قالوا: ليس عن هذا نسألك تبين له: أنهم سألوه عمن هو أحق بهذا الاسم من العرب، فأجابهم [ ص: 227 ] بقوله: " فعن معادن العرب تسألوني ؟ " أي: عن أكرم أصولها، وقبائلها، وقد تقدم أن المعدن هو مأخوذ من عدن، أي: أقام، والعدن: الإقامة، ولما كانت أصول قبائل العرب ثابتة سميت معادن. ثم قال: " خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا "، فمعنى هذا: أن من اجتمع له خصال شرف زمن الجاهلية من: شرف الآباء، ومكارم الأخلاق، وصنائع المعروف، مع شرف دين الإسلام، والتفقه فيه، فهو الأحق بهذا الاسم، وقد تقدم أن الكرم: كثرة الخير والنفع، ولما كان تقوى الله تعالى هو الذي حصل به خير الدنيا والآخرة مطلقا كان المتصف به أحق، فإنه أكرم الناس، لكن هذه قضية عامة، فلما نظر النبي صلى الله عليه وسلم فيمن تعين في الوجود بهذه الصفة، ظهر له أن الأنبياء أحق بهذا المعنى، إذ لا يبلغ أحد درجتهم، وإن أحقهم بذلك من كان معرقا في النبوة، وليس ذلك إلا ليوسف ، كما ذكر. ويخرج منه الرد على من قال: إن إخوة يوسف كانوا أنبياء، إذ لو كانوا كذلك لشاركوا يوسف في ذلك المعنى، ثم إنه لما نظر النبي صلى الله عليه وسلم بين الأعم والأخص ظهر أن الأحق بذلك المعنى: نوع من الأنواع المتوسطة بين الجنس الأعم، والنوع الأخص، وظهر له أنهم أشراف العرب، ورؤساؤهم إذا تفقهوا في الدين، وعلموا وعملوا، فحازوا كل الرتب الفاخرة، إذ اجتمع لهم شرف الدنيا والآخرة.