و (قول أبي عامر " إن ذاك قاتلي ، تراه ذاك الذي رماني ؟ " ) ، كذا الرواية الصحيحة " تراه " بالتاء باثنتين من فوقها ، والكلام كله لأبي عامر ، وكأن الذي رمى [ ص: 449 ] أبا عامر كان قريبا منهما ، فأشار إليه بذلك مرتين تقريبا له ، وأكد ذلك بقوله " تراه " ، فكأنه قال : الذي تراه ، ووقع في بعض النسخ ذلك بلام البعد ، وفيه بعد ، وقرأه بالفاء ، فكأنه من قول الراوي خبرا عن nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى أنه رأى القاتل ، والأول أصح .
و (قوله : فنزا منه الماء ) ؛ أي : خرج الماء بسرعة إثر خروج السهم ، وأصل النزو : الارتفاع والوثب .
و (قوله : واستعملني عامر على الناس ) فيه ما يدل على أن الوالي إذا عرض له أمر جاز أن يستنيب غيره .
و (قوله : فوجدته على حصير مرمل ، قد أثر رمال الحصير في ظهره ) صحيح الرواية فيه " مرمل " بضم الميم الأولى ، فسكن الراء ، مفتوح الميم الثانية . وهو من أرملت الحصير إذا شققته ونسجته بشريط أو غيره ، قال الشاعر :
إذ لا يزال على طريق لاحب وكأن صفحته حصير مرمل
[ ص: 450 ] ويقال : رملت الحصير أيضا - ثلاثيا ، ورمال الحصير : هو ما يؤثر منه في جنب المضطجع عليه .
و (قوله : وعليه فراش ) كذا صحت الرواية بإثبات الفراش ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14933القابسي : الذي أعرف " وما عليه فراش " .
قلت : وأستبعد أن يكون عليه فراش ويؤثر في ظهره ، وإنما يستبعد ذلك إذا كان الفراش كثيفا وثيرا ، ولم يكن فراش النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كذلك ، فلا يستبعد .
و (قوله : فدعا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بماء فتوضأ منه ، ثم رفع يديه ) ، ظاهر هذا الوضوء أنه كان للدعاء ، إذ لم يذكر أنه صلى في ذلك الوقت بذلك الوضوء ، ففيه ما يدل على مشروعية الوضوء للدعاء ولذكر الله كما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم " إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهارة " .
و (قوله " ثم رفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه " ) دليل على استحباب الرفع عند الدعاء ، وقد فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذلك يوم بدر وفي الاستسقاء ، وقد رويت كراهية ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، ويمكن أن يقال : إنما كره أن يتخذ ذلك سنة راتبة على أصله في هذا الباب أو مخافة أن يعتقد الجهال مكانا لله تعالى ، والذي يزيل هذا الوهم أن [ ص: 451 ] يقال : لا يلزم من مد الأيدي إلى السماء أن يكون مكانا لله ولا جهة ، كما لا يلزم من استقبال الكعبة أن يكون الله تعالى فيها ، بل السماء قبلة الدعاء كما أن الكعبة قبلة الصلاة ، والباري تعالى منزه عن الاختصاص بالأمكنة والجهات ، إذ ذاك من لوازم المحدثات ، ولقد أحسن من قال : لو كان الباري تعالى في شيء لكان محصورا ، ولو كان على شيء لكان محمولا ، ولو كان من شيء لكان محدثا .
وقد حصل nindex.php?page=showalam&ids=110أبو موسى على مثل ما حصل لعمه أبي عامر من استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وزاده: " وأدخله مدخلا كريما " ليلحقه بمنزلة أبي عامر في الجنة لأنه قتل قاتله ، والله تعالى أعلم .