و (قوله : " لا تدابروا ") أي : لا تفعلوا فعل المتباغضين اللذين يدبر كل واحد منهما عن الآخر ، أي : يوليه دبره فعل المعرض .
و (قوله : " ولا تقاطعوا ") أي : لا تقاطعه فلا تكلمه ، ولا تعامله ، وهو معنى : لا تهاجروا ، وهي رواية nindex.php?page=showalam&ids=13486ابن ماهان ، وهي : من الهجران ، وعن الجلودي : " ولا تهجروا " . وعن أبي بحر : " تهجروا " بكسر التاء والهاء والجيم . قال القاضي : [ ص: 532 ] معنى الكلمة : لا تهتجروا ، وتكون : تفتعلون : يعني تهاجروا ، أو من هجر الكلام : وهو الفحش فيه ، أي : لا تتسابوا وتتفاحشوا .
قلت : والرواية الأولى أوضح وأولى .
و (قوله : " ولا تحاسدوا ) أي : لا يحسد بعضكم بعضا ، والحسد في اللغة : أن تتمنى زوال نعمة المحسود وعودها إليك . يقال : حسده يحسده حسودا . قال nindex.php?page=showalam&ids=13674الأخفش : وبعضهم يقول : يحسد -بالكسر- والمصدر حسدا بالتحريك ، وحسادة ، وحسدتك على الشيء ، وحسدتك الشيء : بمعنى واحد . فأما الغبطة فهي أن تتمنى مثل حال المغبوط من غير أن تريد زوالها عنه . تقول منه : غبطته بما نال غبطا وغبطة . وقد يوضع الحسد موضع الغبطة لتقاربهما ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " لا حسد إلا في اثنتين " أي : لا غبطة أعظم ولا أحق من الغبطة بهاتين الخصلتين .
و (قوله : " وكونوا عباد الله إخوانا ") أي : كونوا كإخوان النسب في الشفقة ، والرحمة ، والمودة ، والمواساة ، والمعاونة ، والنصيحة .
و (قوله : " كما أمركم الله ") يحتمل أن يريد به هذا الأمر الذي هو قوله : " كونوا إخوانا " ، لأن أمره صلى الله عليه وسلم هو أمر الله ، وهو مبلغ له ، ويحتمل : أن يريد بذلك قوله تعالى : إنما المؤمنون إخوة [الحجرات: 10] فإنه خبر عن المشروعية التي ينبغي للمؤمنين أن يكونوا عليها ، ففيها معنى الأمر .
و (قوله : لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ") دليل خطابه : أن الهجرة دون الثلاث معفو عنها ، وسببه : أن البشر لا بد له غالبا من سوء خلق [ ص: 533 ] وغضب ، فسامحه الشرع في هذه المدة ، لأن الغضب فيها لا يكاد الإنسان ينفك عنه ؟ ولأنه لا يمكنه رد الغضب في تلك الحالة غالبا ، وبعد ذلك يضعف فيمكن رده ، بل : قد يمحى أثره .
وظاهر هذا الحديث تحريم الهجرة فوق ثلاث ، وقد أكد هذا المعنى قوله : " لا هجرة بعد ثلاث " ، وكون المتهاجرين لا يغفر لهما حتى يصطلحا .