(قول القائل لأسامة : ألا تدخل على nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان فتكلمه ) يعني : في تلك الأمور التي تفترى عليه ، وكانت أمورا بعضها كذب عليه ، وبعضها كان له فيها عذر ، وعنها جواب لو سمع منه ، لكن العوام لا ينفع معهم اعتذار ولا ملام ، ولم يكن شيء من هذه الأمور يوجب خلعه ولا قتله قطعا ، ولكن جرت الأقدار بأن قتل مظلوما شهيد الدار .
و (قوله : أترون أني لا أكلمه إلا سمعكم ) يعني : أنه كان يجتنب كلامه بحضرة الناس ، ويكلمه إذا خلا به ، وهكذا يجب أن يعاتب الكبراء والرؤساء ، يعظمون في الملأ إبقاء لحرمتهم ، وينصحون في الخلاء أداء لما يجب من نصحهم . وسمعكم : منصوب على الظرف . ويروى : بسمعكم ، بالباء ، أي : يحضره سمعكم . ويروى : أسمعكم ، على أنه فعل مضارع .
و (قوله : والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتح أمرا ، لا أحب أن أكون أول من فتحه ) يعني : أنه كلمه مشافهة ، كلام لطف ، لأنه اتقى ما يكون عن المجاهرة بالإنكار والقيام على الأئمة ؛ لعظيم ما يطرأ بسبب ذلك من الفتن [ ص: 620 ] والمفاسد ، وخصوصا على مثل nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان - رضي الله عنه - ففيه التلطف في الإنكار إذا ارتجى نفعه .
و (قوله : ولا أقول لأحد يكون علي أميرا أنه خير الناس ) أي : لا أطريه بذلك ، ولا أداهنه ؛ لكونه أميرا علي ، بل : أقول له الحق ، وأصفه بحاله التي هو عليها من غير تصنع ، ولا ملق . وهذه كانت سيرة القوم ، لا يخافون في الله لومة لائم ، ولا يبالون في القيام بالحق ، وإن أدى إلى العظائم ، وهذا هو أعظم الأسباب التي أوجبت الاختلاف بينهم ، حتى أدى ذلك إلى الحروب العظيمة والخطوب الجسيمة ؛ فإن كل طائفة كانت ترى أنها المصيبة المحقة ، ومخالفتها المخطئة ؛ فإنها كانت أمورا اجتهادية ، ولم يكن فيها نصوص قطعية ، ويستثنى من ذلك قتلة nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان ، فإنه لم يرتكب ما يوجب خلعه ، ولا قتله ، والخوارج على nindex.php?page=showalam&ids=8علي والمسلمين ؛ فإنهم حكموا بكفر الجميع ، فهاتان الطائفتان مخطئتان قطعا ، ومن عدا هؤلاء فإما مصيب في اجتهاده فله أجران ، ومن قصر في اجتهاده مذموم على التقصير .
و (قوله : " فتندلق أقتاب بطنه ") أي : تخرج بسرعة . واندلاق السيف : [ ص: 621 ] خروجه بسرعة من غمده ، والأقتاب : الأمعاء ، واحدها قتب . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي : واحدها قتبة ، ويقال لها أيضا : الأقصاب ، واحدها قصب ، قاله أبو عبيد . وقال أبو عبيدة : القتب : ما تحوى من البطن ، يعني : استدار ، وهي الحوايا ، وإنما اشتد عذاب هذا ؛ لأنه كان عالما بالمعروف وبالمنكر ، وبوجوب القيام عليه بوظيفة كل واحد منهما ، ومع ذلك فلم يعمل بشيء من ذلك ، فصار كأنه مستهين بحرمات الله تعالى ، ومستخف بأحكامه ، ثم إنه لم يتب عن شيء من ذلك ، وهذا من جملة من لم ينتفع بعلمه ، الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم : " nindex.php?page=hadith&LINKID=930996أشد الناس عذابا يوم القيامة : عالم لم ينفعه الله بعلمه " . وإنما ذكر أسامة هذا الحديث مستدلا به على منع إطراء الأمير بأن يقال له : أنت خير الناس ، لأنه يمكن أن يكون ذلك الأمير ممن يأمر بالمعروف ولا يفعله ، وينهى عن المنكر ويفعله ، فيستحق هذا العقاب الشديد ، فكيف يقال له : أنت خير الناس ؟! ويشهد لهذا مساق قوله ؛ فتأمله ، والله أعلم ، وقد تقدم القول في وجوب تغيير المنكر .