( وأقسامه ) أي أقسام خطاب الوضع أربعة ( علة ، وسبب ، وشرط ، ومانع ) قال في شرح التحرير : وقد
اختلف في العلة : هل هي من خطاب الوضع أم لا ؟ قال : فنحن تابعنا بذكرها هنا الشيخ - يعني
nindex.php?page=showalam&ids=13439الموفق - في الروضة ،
والطوفي وابن قاضي الجبل ( والعلة أصلا ) أي في الأصل ( عرض موجب لخروج البدن الحيواني عن الاعتدال الطبيعي ) وذلك لأن العلة في اللغة هي المرض ، والمرض هو هذا العرض المذكور . والعرض في اللغة : ما ظهر بعد أن لم يكن ، وفي اصطلاح
المتكلمين : ما لا يقوم بنفسه ، كالألوان والطعوم والحركات والأصوات . وهو كذلك عند الأطباء ، لأنه عندهم عبارة عن حادث ما ، إذا قام بالبدن أخرجه عن الاعتدال . وقولنا " موجب لخروج البدن " هو إيجاب حسي كإيجاب الكسر للانكسار ، والتسويد للاسوداد . فكذلك الأمراض البدنية موجبة لاضطراب البدن إيجابا محسوسا .
وقولنا " البدن الحيواني " احتراز عن النباتي والجمادي ، فإن الأعراض المخرجة لها عن حال الاعتدال ما من شأنه الاعتدال منها : لا يسمى في الاصطلاح عليلا . وقولنا " عن الاعتدال الطبيعي " هو إشارة إلى حقيقة المزاج ، وهو الحال المتوسطة الحاصلة عن تفاعل كيفيات العناصر بعضها في بعض . فتلك الحال هي الاعتدال الطبيعي . فإذا انحرفت عن التوسط لغلبة الحرارة أو غيرها : كان ذلك هو انحراف المزاج ، وانحراف المزاج هو العلة والمرض والسقم ( ثم استعيرت ) العلة ( عقلا ) أي من جهة العقل ( لما أوجب حكما عقليا ) كالكسر للانكسار ، والتسويد الموجب ، أي المؤثر للسواد .
( لذاته ككسر لانكسار ) أي لكونه كسرا أو تسويدا ، لا لأمر خارج من وضعي أو اصطلاحي .
وهكذا العلل العقلية . هي مؤثرة لذواتها بهذا المعنى . كالتحريك الموجب للحركة ،
[ ص: 137 ] والتسكين الموجب للسكون ( ثم ) استعيرت العلة ( شرعا ) أي من التصرف العقلي إلى التصرف الشرعي ، فجعلت فيه ( ل ) معان ثلاثة . أحدها
( ما أوجب حكما شرعيا ) أي ما وجد عنده الحكم ( لا محالة ) أي قطعا ( وهو ) المجموع ( المركب من مقتضيه ) أي مقتضي الحكم .
( وشرطه ، ومحله ، وأهله ) تشبيها بأجزاء العلة العقلية . وذلك لأن
المتكلمين وغيرهم . قالوا : كل حادث لا بد له من علة ، لكن العلة : إما مادية ، كالفضة للخاتم ، والخشب للسرير ، أو صورية : كاستدارة الخاتم ، وتربيع السرير ، أو فاعلية : كالصانع والنجار ، أو غائية : كالتحلي بالخاتم ، والنوم على السرير . فهذه أجزاء العلة العقلية . ولما كان المجموع المركب من أجزاء العلة هو العلة التامة استعمل الفقهاء لفظة " العلة " بإزاء الموجب للحكم الشرعي ، والموجب لا محالة : هو مقتضيه وشرطه ومحله وأهله ، مثاله : وجوب الصلاة ، حكم شرعي ، ومقتضيه : أمر الشارع بالصلاة ، وشرطه : أهلية المصلي لتوجه الخطاب إليه ، بأن يكون عاقلا بالغا ، ومحله الصلاة [ وأهله : المصلي ] وكذلك حصول الملك في البيع والنكاح : حكم شرعي ومقتضيه : كون الحاجة داعية إليهما .
وصورته : الإيجاب والقبول فيهما . وشرطه : ما ذكر من شروط صحة البيع والنكاح في كتب الفقه . ومحله : هو العين المبيعة والمرأة المعقود عليها ، وأهليته : كون العاقد صحيح العبارة والتصرف . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13439الشيخ الموفق : لا فرق بين المقتضي والشرط والمحل والأهل ، بل العلة المجموع ، والأهل والمحل : وصفان من أوصافها . وقال
الطوفي في شرحه : قلت : الأولى أن يقال : هما ركنان من أركانها ، لأنه قد ثبت أنهما جزءان من أجزائها . وركن الشيء هو جزؤه الداخل في حقيقته . وبالجملة : فهذه الأشياء الأربعة مجموعها يسمى علة ( و ) المعنى الثاني مما استعيرت له العلة من التصرف العقلي إلى التصرف الشرعي : استعارتها ( لمقتضيه ) أي مقتضي الحكم الشرعي ، وهو
المعنى الطالب للحكم ( وإن تخلف ) الحكم عن مقتضيه ( لمانع ) من الحكم ( أو فوات شرط ) الحكم . مثاله : اليمين . هي المقتضية لوجوب الكفارة ، فتسمى علة للحكم .
وإن كان وجوب الكفارة إنما يتحقق
[ ص: 138 ] بوجود أمرين : الحلف الذي هو اليمين ، والحنث فيها ، لكن الحنث شرط في الوجوب ، والحلف هو السبب المقتضي له ، فقالوا : إنه علة . فإذا
حلف الإنسان على فعل شيء أو تركه ، قيل : قد وجدت منه علة وجوب الكفارة ، وإن كان الوجوب لا يوجد حتى يحنث ، وإنما هو بمجرد الحلف انعقد سببه . وكذلك الكلام في مجرد ملك النصاب ونحوه . ولهذا لما انعقدت أسباب الوجود بمجرد هذه المقتضيات جاز فعل الواجب بعد وجودها ، وقبل وجود شرطها عندنا ، كالتكفير قبل الحنث ،
وإخراج الزكاة قبل الحول . وقوله " وإن تخلف لمانع " مثل أن يكون القاتل أبا للمقتول ، فإن الإيلاد مانع من وجوب القصاص . وكذا النصاب يسمى علة لوجوب الزكاة ، وإن تخلف وجوبها لوجود مانع كالدين .
وقوله " أو فوات شرط " مثل القتل العمد العدوان . فإنه يسمى علة لوجوب القصاص ، وإن تخلف وجوبه لفوات شرطه ، وهو المكافأة ، بأن كان المقتول عبدا أو كافرا ، والقاتل حرا أو مسلما . وكذا ملك النصاب ، فإن وجوب الزكاة قد يتخلف عنه لفوات شرط ، وهو خروجه عن ملكه قبل تمام الحول .
( و ) المعنى الثالث مما استعيرت له العلة من التصرف العقلي إلى التصرف الشرعي : استعارتها ( للحكمة ) أي حكمة الحكم ( وهي المعنى المناسب الذي ينشأ عنه الحكم ، كمشقة سفر لقصر وفطر ) وبيان المناسبة : أن حصول المشقة على المسافر معنى مناسب لتخفيف الصلاة عنه بالقصر ، وتخفيف مشقة الصوم بإباحة الفطر ( و ك ) وجود ( دين وأبوة لمنع ) وجوب ( زكاة وقصاص ) وبيان المناسبة : أن انقهار مالك النصاب بالدين الذي عليه معنى مناسب لإسقاط وجوب الزكاة عنه ، وكون الأب سببا لوجود الابن معنى مناسب لسقوط القصاص عنه ; لأنه لما كان سببا لإيجاده لم تقتض الحكمة أن يكون الولد سببا لإعدام أبيه وهلاكه لمحض حق الابن . واحترز بهذا القيد عن أنه لا يمتنع رجمه إذا
زنى بابنته ، لكون ذلك حقا لله تعالى دونها