ثم اعلم أن
دلالة النكرة في سياق النفي على العموم قسمان : قسم يكون ( نصا ) وصورته : ما إذا بنيت فيه النكرة على الفتح لتركبها مع لا . نحو : لا إله إلا الله ( و ) قسم يكون ( ظاهرا ) وصورته : ما إذا لم تبن النكرة مع لا .
نحو : لا في الدار رجل بالرفع ; لأنه يصح أن يقال : بعده ، بل رجلان . فدل على أنها ليست نصا . فإن زيد فيها " من " كانت نصا أيضا ( و ) من صيغ العموم أيضا النكرة ( في ) سياق ( إثبات لامتنان ) مأخوذ ذلك من استدلال أصحابنا إذا حلف لا يأكل فاكهة يحنث بأكل التمر والرمان لقوله تعالى {
فيهما فاكهة ونخل ورمان } قاله في القواعد الأصولية ، وذكر جماعة من العلماء . منهم القاضي
nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب الطبري في أوائل تعليقه في الكلام على قوله تعالى {
وأنزلنا من السماء ماء طهورا } وجرى عليه
الزملكاني في كتاب البرهان . وقطع به
البرماوي في منظومته وشرحها . قيل : والقول به مأخوذ من كلام البيانيين في تنكير المسند إليه . أنه يكون للتكثير . نحو إن له لإبلا ، وإن له لغنما . وعليه حمل
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري قوله تعالى {
إن لنا لأجرا } وكذا قرره في قوله تعالى {
فيها عين جارية } ( و ) كذا النكرة في سياق ( استفهام إنكاري ) قاله
البرماوي وغيره . لأنه في معنى النفي . كما صرح به في العربية في باب مسوغات الابتداء وصاحب الحال . وفي باب الاستثناء ، وفي الوصف المبتدإ المستغنى بمرفوعه عن خبره عند من يشترط النفي ، أو ما في معناه ، وهو الاستفهام . نحو هل قام زيد ؟ قال الله تعالى {
هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا }
[ ص: 357 ] {
هل تعلم له سميا } فإن المراد نفي ذلك كله ، لأن الإنكار هو حقيقة النفي ( و ) كذا النكرة في سياق ( شرط ) فإنها تعم نحو قوله تعالى {
من عمل صالحا فلنفسه } {
وإن أحد من المشركين استجارك فأجره } ومن يأتيني بأسير فله دينار . يعم كل أسير ; لأن الشرط في معنى النفي لكونه تعليق أمر لم يوجد على أمر لم يوجد . وقد صرح
إمام الحرمين في البرهان بإفادته العموم ، ووافقه
. الإبياري في شرحه ، وهو مقتضى كلام
الآمدي nindex.php?page=showalam&ids=12671وابن الحاجب وغيرهما في مسألة : لا أكلت وإن أكلت . وزعم بعضهم : أن المراد العموم البدلي لا العموم الشمولي ( ولا يعم جمع منكر غير مضاف ) عند الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد رضي الله تعالى عنه والأكثر ; لأنه لو قال : اضرب رجالا ، امتثل بضرب أقل الجمع ، أو له عندي عبيد ، قبل تفسيره بأقل الجمع ، لأن أهل اللغة يسمونه نكرة ، ولو كان عاما لم يكن نكرة لمغايرة معنى النكرة لمعنى العموم ، كما سبق في تعريف العام ، ولأنه يصدق على أقل الجمع ، وعلى ما زاد مرتبة بعد أخرى إلى ما لا يتناهى ، وإذا كان مدلول النكرة أعم من هذا ومن الصور السابقة ، فالأعم لا يدل على الأخص . وعمومه في هذه الصورة إنما هو من عموم بدل لا شمول .
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=11851أبو الخطاب في التمهيد وجها بالعموم . وقاله
nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور وبعض الحنفية وبعض الشافعية
وأبو علي الجبائي وحكاه
الغزالي عن الجمهور ( و ) على الأول ( يحمل على أقل جمع ) وقيل : يحمل على مجموع الأفراد من دلالة الكل على الأجزاء . والصحيح الأول . قال
ابن العراقي : قلت : وكلام الجمهور في الحمل على أقل الجمع محمول على جموع القلة ، لنصهم على أن جموع الكثرة إنما تتناول أحد عشر فما فوقها . ويخالفه قول الفقهاء : إنه يقبل تفسير الإقرار بدراهم بثلاثة ، مع أن دراهم جمع كثرة . وكأنهم جروا في ذلك على العرف من غير نظر إلى الوضع اللغوي . انتهى ( وهو ) أي أقل الجمع ( ثلاثة حقيقة ) قاله أكثر
المتكلمين . وذكره
ابن برهان قول الفقهاء قاطبة . وحكاه القاضي
عبد الوهاب عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك . وحكاه
الآمدي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ومشايخ
المعتزلة ; وقال الأستاذ
nindex.php?page=showalam&ids=11812أبو إسحاق الإسفراييني nindex.php?page=showalam&ids=12604والباقلاني والغزالي [ ص: 358 ] وابن الماجشون ،
nindex.php?page=showalam&ids=13902والبلخي ،
وابن داود ،
وعلي بن عيسى النحوي ،
ونفطويه ، وبعض أصحابنا : اثنان حقيقة . وحكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت رضي الله عنهما ، واستدل للأول بسبق الثلاثة عند الإطلاق . ولا يصح نفي الصيغة عنها .
وهما دليل الحقيقة . والمثنى بالعكس . روى
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي nindex.php?page=showalam&ids=13064وابن حزم - محتجا به - وغيرهما بإسناد جيد إلى
nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب عن
nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة مولى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . رضي الله عنهما . عنه ; أنه قال
nindex.php?page=showalam&ids=7لعثمان " إن الأخوين لا يردان الأم إلى السدس . إنما قال الله تعالى ( {
فإن كان له إخوة } ) والأخوان في لسان قومك ليسا بإخوة . فقال
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان : لا أستطيع أن أنقض أمرا كان قبلي ، وتوارثه الناس ، ومضى في الأمصار " قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في
nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة : ما أرى به بأسا . واختلف قول
ابن معين ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : ليس بثقة . وقال
أبو زرعة : ضعيف . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15395النسائي : ليس بقوي ، ولما حجب القوم الأم بالأخوين دل على أن الآية قصدت الأخوين فما فوق ، وهذا دليل صحة الإطلاق مجازا . ودليل القائل حقيقة هذه الآية . والأصل الحقيقة . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت " يسمى الأخوان إخوة " رد بما سبق . وإن صح قول
زيد - فإن فيه
عبد الرحمن بن أبي الزناد ، مختلف فيه - فمراده : مجازا وفي حجب الأم . قالوا ( {
إنا معكم مستمعون } )
لموسى وهارون ، رد ، ومن آمن من قومهما ، أو
وفرعون أيضا ، قالوا ( {
وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا } ) رد الطائفة الجماعة لغة . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس " الطائفة : الواحد فما فوقه نحو قوله تعالى وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين " فإن صح فمجاز . ولا يلزم مثله في الجمع ، ولهذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=14042الجوهري : هي القطعة من الشيء . وذكر قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس هذا ، كالخصم للواحد والجمع ; لأنه في الأصل مصدر .
قالوا ( {
وكنا لحكمهم شاهدين } ) رد الضمير للقوم ، أو لهم وللحاكم ، فيكون الحكم بمعنى الأمر ; لأنه لا يضاف المصدر إلى الفاعل والمفعول . قالوا : قال عليه الصلاة والسلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13832الاثنان فما فوقهما جماعة } رد خبر ضعيف . ثم المراد في الفضيلة ، لتعريفه الشرع لا اللغة . وعلى الأول : قال أصحابنا
وأبو المعالي : يصح إطلاق الجمع على الاثنين والواحد مجازا . واستدلوا بقوله تعالى (
[ ص: 359 ] {
الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم } ) ومثله
ابن فارس بقوله تعالى ( {
فناظرة بم يرجع المرسلون } ) فإن المراد بالمرسلين :
سليمان أو الهدهد وفيه نظر ; لاحتمال إرادتها الجيش . ومثله بعضهم بقول الزوج لامرأته - وقد رآها تتصدى لناظريها - : تتبرجين للرجال ؟ ولم ير إلا واحدا . فإن الأنفة من ذلك يستوي فيها الجمع والواحد . واعترض بأنه إنما أراد الجمع ، لظنه أنها لم تتبرج لهذا الواحد إلا وقد تبرجت لغيره . ( والمراد ) بما تقدم من محل الخلاف ( غير لفظ جمع ) المشتمل على الجيم والميم والعين ; فإنه يطلق على الاثنين ، كما صرح به المحققون ; لأن مدلوله : ضم شيء إلى شيء ( و ) غير ( نحن ، وقلنا ، وقلوبكما ) ونحو ذلك مما في الإنسان منه شيء واحد ، بل هو وفاق . قال
البرماوي وغيره : ليس الخلاف في {
صغت قلوبكما } لأن قاعدة . : أن كل اثنين أضيفا إلى متضمنهما يجوز فيه ثلاثة أوجه : الجمع على الأصح ، نحو قطعت رءوس الكبشين ، ثم الإفراد كرأس الكبشين ، ثم التثنية كرأسي الكبشين . وإنما رجح الجمع استثقالا ، لتوالي دالين على شيء واحد ، وهو التثنية وتضمن الجمع العدد ، بخلاف ما لو أفرد . انتهى .
وإنما كان الخلاف في غير ذلك لاستثناء ذلك لغة . وإنما الخلاف في نحو " رجال ومسلمين " وضمائر الغيبة والخطاب . ( وأقل الجماعة في غير صلاة ثلاثة ) قاله الأصحاب ، ما عدا
nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي في كشف المشكل ، وصاحب البلغة فيها . واختاره من النحاة
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج ، وذكر بعض المتأخرين : أن لفظ " جمع " كلفظ " جماعة " ( ومعيار العموم : صحة الاستثناء من غير عدد ) يعني أنه يستدل على عموم اللفظ بقبوله الاستثناء منه ، فإن الاستثناء إخراج ما لولاه لوجب دخوله في المستثنى منه ، فوجب أن تكون كل الأفراد واجبة الاندراج . وهذا معنى العموم ، ولم يستثن في جمع الجوامع العدد ، فورد عليه ، فأجاب : بأنا لم نقل كل مستثنى منه عام .
بل قلنا :
كل عام يقبل الاستثناء . فمن أين العكس ؟ قال في شرح التحرير : وفيما قاله نظر ; فإن معيار الشيء ما يسعه وحده . فإذا وسع غيره معه خرج عن كونه معياره . فاللفظ يقتضي اختصاص الاستثناء بالعموم انتهى ، وبقيت
[ ص: 360 ] مسائل تدل على العموم . منها : أن يكون اللفظ عاما بالعرف أو بالعقل ، فالأول في ثلاث أمور : أحدها : فحوى الخطاب . والثاني : لحن الخطاب . فهذان القسمان الحكم فيهما على شيء ، والمسكوت عنه مساو له . فيه أو أولى نحو . قوله تعالى . ( {
إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما } ) ( {
فلا تقل لهما أف } ) . ويأتي بيان القسمين في مفهوم الموافقة . وحكاية الخلاف في الفحوى أنه . دل على المسكوت عنه قياسا ، أو نقل عرفا أو مجازا بالقرينة ، أو دل من حيث المفهوم . والثالث : ما نسبة الحكم فيه لذات . وإنما تعلق في المعنى بفعل اقتضاه الكلام ، نحو . قوله تعالى . {
حرمت عليكم الميتة } {
حرمت عليكم أمهاتكم } فإن العرف الأول نقله إلى تحريم الأكل على العموم ، وفي الثانية إلى جميع الاستمتاعات المقصودة من النساء ، فيشمل الوطء ومقدماته . ومنهم من يقدر الوطء فقط ، على ما يأتي . والثاني وهو العام بالعقل . وذلك في ثلاثة أمور : أحدها : ترتيب الحكم على الوصف ، نحو حرمت الخمر للإسكار فإن ذلك يقتضي أن يكون علة له ، والعقل يحكم بأنه كلما وجدت العلة يوجد المعلول ، وكلما انتفت ينتفي . فهذا القسم لم يدل باللغة ، لأنه لا منطوق فيه بصيغة عموم ، ولا بالمفهوم ، وذلك ظاهر ، ولا بالعرف لعدم الاشتهار . فلم يبق إلا العقل . وإذا قلنا : بأن نحو قوله تعالى {
فلا تقل لهما أف } من باب القياس يكون من العام عقلا ، نعم ترتيب الحكم على العلة ، وإن كان من عموم العلة عقلا ، لكنه إذا كان من الشرع فالحكم في عمومه لكل ما فيه تلك العلة التي وقع القياس بها شرعي . وقيل : الحكم في عمومه لغوي . وقيل : لا يعم شرعا ولا لغة . ومن أمثلة المسألة قوله صلى الله عليه وسلم في قتلى
أحد {
nindex.php?page=hadith&LINKID=19779زملوهم بكلومهم ودمائهم ، فإنهم يحشرون وأوداجهم تشخب دما } فإنه يعم كل شهيد شرعا . والثاني : مفهوم المخالفة عند القائل به ، لقوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=35163مطل الغني ظلم } فإنه يدل بمفهومه على أن مطل غير الغني عموما لا يكون ظلما . والثالث : إذا وقع جوابا لسؤال ،
[ ص: 361 ] كما لو {
سئل النبي صلى الله عليه وسلم عمن أفطر ؟ فقال عليه الكفارة } فيعلم أنه يعم كل مفطر . ( فائدة : )
( سائر الشيء بمعنى باقيه ) وهذا المشهور عند الجمهور . وذلك لأنها من " أسأر " بمعنى أبقى ، فهو من السؤر ، وهو البقية ، فلا يعم وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14042الجوهري في الصحاح : هي بمعنى الجميع ، لأنها من سور المدينة ، وهو المحيط بها . وغلطوه .
قال في شرح التحرير : وليس كذلك ، فقد ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14551السيرافي في شرح
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ،
والجواليقي في شرح أدب الكاتب ،
nindex.php?page=showalam&ids=12988وابن بري وغيرهم ، وأوردوا له شواهد كثيرة وممن عدها من صيغ العموم : القاضي
nindex.php?page=showalam&ids=12604أبو بكر الباقلاني في التقريب ، وغيره .
ولكن قال
البرماوي : لا تنافي بين القولين ، فهو للعموم المطلق . والعموم الباقي بحسب الاستعمال ( فصل ) ( العام بعد تخصيصه حقيقة ) فيما لم . يخص عند الأكثر من أصحابنا . ونقله
أبو المعالي عن جمهور الفقهاء . قال
أبو حامد : هذا مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأصحابه . وذلك لأن العام في تقدير ألفاظ مطابقة لأفراد مدلوله منها فسقط بالتخصيص طبق ما خصص به من المعنى . فالباقي منها ومن المدلول متطابقان تقديرا ، فلا استعمال في غير الموضوع له ، فلا مجاز ، فالتناول باق ، فكان حقيقة قبله ، فكذا بعده . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11851أبو الخطاب وأكثر
الأشعرية والمعتزلة : يكون مجازا بعد التخصيص . واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=13926البيضاوي nindex.php?page=showalam&ids=12671وابن الحاجب والصفي الهندي ، لأنه قبل التخصيص حقيقة في الاستغراق . فلو كان حقيقة فيه بعد لم يفتقر إلى قرينة ، ويحصل الاشتراك . وجملة الأقوال في المسألة ثمانية ، تركنا باقيها خشية الإطالة .