( فصل ) :
( لفظ الرجال والرهط لا يعم النساء ولا العكس )
وهو أن لفظ النساء لا يعم الرجال . ولا الرهط قطعا ( ويعم نحو ) لفظ ( الناس ، و ) لفظ ( القوم ) كالإنس والآدميين ( الكل ) أي الرجال والنساء ، ثم الرهط ما دون العشرة خاصة ، وفي مدلول " القوم " ثلاثة أقوال . قال في القاموس : القوم : الجماعة من الرجال والنساء معا ، أو من الرجال خاصة ، أو يدخل النساء على التبعية ، ويؤنث . ا هـ .
ويستأنس للأول بقوله تعالى {
يا قومنا أجيبوا داعي الله } فيدخل النساء في ذلك ا هـ . ونحو : المؤمنين والمصلين والمزكين ( كالمسلمين ، و ) نحو ( فعلوا ) ككلوا وشربوا ، وكذلك افعلوا ككلوا واشربوا ، ويفعلون كيأكلون ويشربون ، وفعلتم كأكلتم وشربتم ، وكذا اللواحق ، كذلكم وإياكم ، ونحو ذلك مما يغلب فيه المذكر ( يعم النساء تبعا ) عند أكثر أصحابنا والحنفية وبعض الشافعية . وهو ظاهر كلام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد رحمه الله . وعنه رواية أخرى : لا يعم ، اختاره
nindex.php?page=showalam&ids=11851أبو الخطاب والطوفي وأكثر الشافعية
والأشعرية . ونقله
ابن برهان عن معظم الفقهاء . قال
البرماوي عن القول الأول : إن عمومه ليس من حيث اللغة ، بل بالعرف ، أو بعموم الأحكام أو نحو ذلك . قال
أبو المعالي : اندراج النساء تحت لفظ " المسلمين " بالتغليب لا بأصل الوضع . وقال
الإبياري : لا خلاف بين الأصوليين والنحاة في عدم تناولهن لجمع كجمع الذكور . وإنما ذهب بعض الأصوليين إلى ثبوت التناول ، لكثرة اشتراك النوعين في الأحكام لا غير ، فيكون الدخول عرفا لا لغة . ثم قال : وإذا قلنا بالتناول : هل يكون دالا عليهما بالحقيقة والمجاز
[ ص: 380 ] أو عليهما مجازا صرفا ؟ خلاف . ظاهر مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي nindex.php?page=showalam&ids=12604الباقلاني : الثاني ، والقياس قول
أبي المعالي الأول . انتهى . واستدل للأول بمشاركة الذكور في الأحكام لظاهر اللفظ . رد بالمنع بلا لدليل ولهذا لم يعمهن الجهاد والجمعة وغيرهما . أجيب بالمنع . ثم لو كان لعرف . والأصل عدمه ، وخروجهن من بعض الأحكام لا يمنع كبعض الذكور ، ولأن أهل اللغة غلبوا المذكر باتفاق بدليل {
اهبطوا }
لآدم وحواء وإبليس . رد بقصد المتكلم ، ويكون مجازا . أجيب : لم يشترط أحد من أهل اللغة العلم بقصده ، ثم لو لم يعمهن لما عم بالقصد ، بدليل جمع الرجال ، والأصل الحقيقة ، ولو كان مجازا لم يعد العدول عنه عيا . قال المانعون : قالت
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=46727ما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال ؟ فنزلت { إن المسلمين والمسلمات } - الآية } رواه
nindex.php?page=showalam&ids=15395النسائي وغيره . ولو دخلن لم يصدق نفيها ، ولم يصح تقريره له . رد : يصدق ، ويصح ، لأنها إنما أرادت التنصيص تشريفا لهن لا تبعا . قالوا : الجمع تضعيف الواحد ، ومسلم لرجل ، فمسلمون لجمعه .
رد : يحتمل منعه . قاله
الحلواني . وقد احتج أصحابنا بأن قوله تعالى {
الحر بالحر } عام للذكر والأنثى . وأما الخناثى : فعلى القول بدخول النساء : الخناثى أولى وعلى المنع : فالظاهر من تصرف الفقهاء : دخولهم في خطاب النساء في التغليظ ، والرجال في التخفيف . قال في شرح التحرير : ومما يخرج على هذه القاعدة مسألة الواعظ المشهورة ، وهي قوله للحاضرين عنده : طلقتكم ثلاثا ، وامرأته فيهم ، وهو لا يدري . فأفتى
أبو المعالي بالوقوع . قال
الغزالي : وفي القلب منه شيء . قلت : الصواب عدم الوقوع . وقال
الرافعي والنووي : وينبغي أن لا يقع . ولهم فيها كلام كثير . ( وإخوة وعمومة لذكر وأنثى ) قال في شرح التحرير : والمذهب أن الإخوة والعمومة يعم الذكور والإناث . قطع به في المغني والشرح وشرح
nindex.php?page=showalam&ids=13168ابن رزين وصاحب الفروع فيه وغيرهم . وظاهر كلامه في الواضح : أن الإخوة لا تعم الإناث ، وأن المؤمن لا يعمهن ( وتعم " من " الشرطية المؤنث ) لقوله تعالى {
ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى } فالتفسير بالذكر والأنثى دل
[ ص: 381 ] على تناول القسمين . ولقوله سبحانه وتعالى {
ومن يقنت منكن لله ورسوله } ولقول النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=97069من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه . فقالت nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة : فكيف . تصنع النساء بذيولهن ؟ فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم على فهم دخول النساء في من الشرطية } . ولأنه لو قال : من دخل داري فهو حر ، فدخله الإماء عتقن بالإجماع . قاله في المحصول . وحكى غيره قولا : أنها تختص بالذكور . وهو محكي عن بعض الحنفية ، وأنهم تمسكوا به في مسألة المرتدة ، فجعلوا قوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=35954من بدل دينه فاقتلوه } لا يتناولها . والصحيح خلافه ( ويعم الناس والمؤمنون ونحوهما ) كالذين آمنوا ويا عبادي ( عبدا ) كله رقيق ( ومبعضا ) قل الرق فيه أو كثر عند الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد رحمه الله وأكثر أتباعه والأئمة الأربعة ، لأنهم يدخلون في الخبر ، فكذا في الأمر ، وباستثناء الشارع لهم في الجمعة . وقيل : لا يدخلون إلا بدليل . وقيل : إن تضمن العبيد دخلوا ، وإلا فلا . قال
الهندي : القائلون بعموم دخول العبيد والكفار في لفظ " الناس " ونحوه ، إن زعموا أنه لا يتناولهم لغة فمكابرة ، وإن زعموا أن الرق والكفر أخرجهم شرعا فباطل ; لأن الإجماع أنهم مكلفون في الجملة ( و ) يدخل الذين هم ( كفار وجن في ) مطلق لفظ ( الناس ونحوه ) مثل ( أولي الألباب ) في الأصح من غير قرينة لغة . وبه قال
الأستاذ أبو إسحاق وغيره .
إذ لا مانع من ذلك . أما إذا قامت قرينة بعدم دخولهم ، أو أنهم هم المراد ، لا المؤمنون : عمل بها ، نحو قوله تعالى {
الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم } لأن الأول للمؤمنين فقط : أما
نعيم بن مسعود الأشجعي ، وهو الذي قاله المفسرون ، أو أربعة ، كما نص عليه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الرسالة . والثاني : لكفار
مكة .
لكن قد يقال : بأن اللام في ذلك للعهد الذهني ، والكلام في الاستغراقية .
وقوله سبحانه وتعالى {
يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له } المراد الكفار بدليل باقي الآية . نص عليه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الرسالة ، وجعله من العام الذي أريد به الخاص . فقد يدعي ذلك أيضا في الآية التي قبلها ، فلا تكون أل فيها
[ ص: 382 ] عهدية . ( و ) قوله سبحانه وتعالى ( {
يا أهل الكتاب } لا يشمل الأمة ) أي أمة نبينا
محمد صلى الله عليه وسلم عند الأكثر . وقطع به بعضهم . ومن أمثلة ذلك قوله سبحانه وتعالى {
يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم } {
يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا } {
يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم } إلا أن يدل دليل على مشاركة الأمة لهم . وذلك لأن اللفظ قاصر عليهم فلا يتعداهم . والمراد
بأهل الكتاب :
اليهود والنصارى . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13028المجد في المسودة : يشمل الأمة إن شركوهم في المعنى . قال : لأن شرعه عام
لبني إسرائيل وغيرهم من
أهل الكتاب وغيرهم ، كالمؤمنين ، فثبت الحكم فيهم ، كأمي
أهل الكتاب . وذلك كاف لواحد من المكلفين ، فإنه يعم غيره . وإن لم يشركهم فلا ، كما في . قوله تعالى . لأهل
بدر {
فكلوا مما غنمتم } ولأهل
أحد {
إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا } فإن ذلك لا يعم غيرهم . قال : ثم الشمول هنا بطريق العادة العرفية أو الاعتبار العقلي ، وفيه الخلاف المشهور . قال : وعلى هذا ينبني استدلال الآية على حكمنا ، مثل رضي الله عنه {
أتأمرون الناس بالبر } - الآية " فإن هذه الضمائر راجعة
لبني إسرائيل . قال : وهذا كله في الخطاب على لسان نبينا
محمد صلى الله عليه وسلم . أما خطابه لهم على لسان
موسى وغيره من الأنبياء عليهم السلام : فهي مسألة
شرع من قبلنا : هل هو شرع لنا ؟ والحكم هنا لا يثبت بطريق العموم الخطابي قطعا ، بل بالاعتبار العقلي عند الجمهور ( ويعمه ) أي يعم النبي صلى الله عليه وسلم قوله سبحانه وتعالى {
يا أيها الناس } ، و {
يا عبادي } ونحو ذلك ، كيا أيها الذين آمنوا ، عند أكثر العلماء ( حيث لا قرينة تخصهم ) نحو يا أمة
محمد ، و {
يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم } لأنا مأمورون بالاستجابة .
[ ص: 383 ]
وقيل : يعمه خطاب القرآن دون خطاب السنة ، وقيل : لا يعمه خطاب القرآن ولا خطاب السنة لقرينة المشافهة ، ولأن المبلغ - بكسر اللام - غير المبلغ - بفتحها . والآمر والناهي غير المأمور والمنهي ، فلا يكون داخلا . رد ذلك بأن الخطاب في الحقيقة هو من الله سبحانه وتعالى للعباد ، وهو منهم ، وهو مع ذلك مبلغ للأمة ; فإن الله سبحانه وتعالى هو الآمر والناهي ،
وجبريل هو المبلغ له ، ولا ينافي كون النبي صلى الله عليه وسلم مخاطبا مخاطبا ومبلغا ومبلغا باعتبارين وربما اعتل المانع من ذلك ، بأنه صلى الله عليه وسلم له خصائص ، فيحتمل أنه غير داخل لخصوصيته ، بخلاف الأمر الذي خاطب به الناس . ورد بأن الأصل عدمه ، حتى يأتي دليل ، وتظهر فائدة الخلاف في ذلك فيما إذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم ما يخالف ذلك : هل يكون نسخا في حقه ؟ إن قلنا : يعمه الخطاب فنسخ ، أي إذا دخل وقت العمل ، لأن ذلك شرط المسألة ، وإلا فلا . ( ويعم ) الخطاب ( غائبا ومعدوما ) حالته ( إذا وجد وكلف لغة ) أي من جهة اللغة . قاله أصحابنا وغيرهم . قال
ابن قاضي الجبل : ليس النزاع في قولنا " ويعم الغائب والمعدوم إذا وجد وكلف " في الكلام النفسي ، بل هذه خاصة باللفظ اللغوي .
ولأننا مأمورون بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وحصل ذلك إخبارا عن أمر الله تعالى عند وجودنا فاقتضى بطريق التصديق والتكذيب ، وأن لا يكون قسيما للخبر . انتهى . وقيل : لا يعمه الخطاب إلا بدليل آخر . قال
البرماوي : ومما اختلف في عمومه : الخطاب الوارد شفاها في الكتاب والسنة ، مثل قوله تعالى {
يا أيها الذين آمنوا } - {
يا أيها الناس } - {
يا عبادي } لا خلاف أنه عام في الحكم الذي تضمنه من لم يشافه به ، سواء كان موجودا غائبا وقت تبليغ النبي صلى الله عليه وسلم أو معدوما بالكلية . فإذا بلغ الغائب والمعدوم بعد وجوده تعلق به الحكم . وإنما اختلف في جهة عمومه . والحاصل : أن العام المشافه فيه بحكم ، لا خلاف في شموله لغة للمشافهين ، وفي غيرهم حكما ، وكذا الخلاف في غيرهم هل الحكم شامل لهم باللغة أو بدليل آخر ؟ ذهب جمع من الحنابلة والحنفية إلى أنه من اللفظ ، أي اللغوي . وذهب
[ ص: 384 ] الأكثر إلى أنه بدليل آخر . وذلك مما علم من عموم دينه صلى الله عليه وسلم بالضرورة إلى يوم القيامة . ويدل عليه قوله سبحانه وتعالى {
لأنذركم به ومن بلغ } وقوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=46729وبعثت إلى الناس كافة } . قال : وهذا معنى كثير ،
nindex.php?page=showalam&ids=12671كابن الحاجب أن مثل {
يا أيها الناس } ليس خطابا لمن بعدهم ، أي لمن بعد المواجهين . وإنما ثبت الحكم بدليل آخر من إجماع أو نص أو قياس . واستدلوا بأنه لا يقال للمعدومين : يا أيها الناس . وأجابوا عما استدل به الخصم ، بأنه لو لم يكن المعدومون مخاطبين بذلك لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا إليهم ، بأنه لا يتعين الخطاب الشفاهي في الإرسال ، بل مطلق الخطاب كاف . والله أعلم .