( الحروف ) أي هذا فصل بيان معنى الحروف . قال القاضي
عضد الدين قد قال النحاة : إن
الحرف لا يستقل بالمعنى . وعليه إشكال . فتقرر المراد أولا ، والإشارة إلى الإشكال ثانيا ، وحله ثالثا .
أما تقريره : فهو أن نحو " من " و " إلى " مشروط في وضعها دالة على معناها الإفرادي ، وهو الابتداء والانتهاء . وذكر متعلقها من دار أو سوق أو غيرهما ، مما يدخل عليه الحرف ، ومنه الابتداء ، وإليه الانتهاء . والاسم نحو الابتداء والانتهاء ، والفعل نحو " ابتدأ وانتهى " غير مشروط فيه ذلك .
وأما الإشكال : فهو أن نحو : ذو ، وأولو ، أولات ، وقيد ، وقيس ، وقاب ، وأي ، وبعض ، وكل ، وفوق ، وتحت ، وأمام ، وقدام ، وخلف ، ووراء : مما لا يحصى كذلك ، إذ لم يجوز الواضع استعمالها إلا بمتعلقاتها . فكان يجب كونها حروفا . وإنها أسماء .
[ ص: 73 ] وأما الحل : فهو أنها - وإن لم يتفق استعمالها إلا كذلك ، لأمر ما عرض .
فغير مشروط في وضعها [ دالة ] ذلك لما علم أن " ذو " بمعنى صاحب ويفهم منه عند الإفراد ذلك ، ولكن وضعه له لغرض ما ، وهو التوصل به إلى الوصف بأسماء الأجناس ، في نحو : زيد ذو مال : وذو فرس ، فوضعه ليتوصل به إلى ذلك هو الذي اقتضى ذكر المضاف إليه . لا أنه لو ذكر دونه لم يدل على معناه نعم لم يحصل الغرض من وضعه ، والفرق بين عدم فهم المعنى ، وبين عدم فائدة الوضع مع فهم المعنى ظاهر وكذلك " فوق " وضع لمكان له علو . ويفهم منه عند الانفراد ذلك ، ولكن وضعه له ليتوصل [ به ] إلى علو خاص ، اقتضى ذكر المضاف إليه وكذلك باقي الألفاظ . وإذ قد تحقق ذلك فنقول :
الحرف : ما وضع باعتبار معنى عام ، وهو نوع من النسبة كالابتداء والانتهاء ، لكل ابتداء أو انتهاء معين بخصوصه والنسبة لا تتعين إلا بالمنسوب إليه . فالابتداء الذي
للبصرة يتعين
بالبصرة . والانتهاء الذي
للكوفة يتعين
بالكوفة فما لم يذكر متعلقه ، لا يتحصل فرد من ذلك النوع الذي هو مدلول الحرف ، لا في العقل ولا في الخارج ، وإنما يتحصل بالمنسوب إليه ، فيتعقل بتعقله ، بخلاف ما وضع للنوع بعينه .
كالابتداء والانتهاء ، [ و ] بخلاف ما وضع لذات ما باعتبار نسبة . نحو " ذو وفوق وعلى ، وعن ، والكاف " إذا أريد بها علو وتجاوز وشبه مطلقا . فهو كالابتداء [ والانتهاء ] ا هـ . والمراد بالحروف هنا : ما يحتاج الفقيه إلى معرفته من معاني الألفاظ المفردة ، لا الحرف الذي هو قسيم الاسم والفعل لأنه قد ذكر معها أسماء . كإذا وإذ .
وأطلق عليها لفظ الحروف تغليبا . باعتبار الأكثر .