( باب ) لما كان التقليد مقابلا للاجتهاد ، وانتهى الكلام على أحكام الاجتهاد شرعنا في الكلام على
أحكام التقليد ثم ( التقليد لغة : وضع الشيء في العنق ) حالة كونه ( محيطا به ) أي : بالعنق ، وذلك الشيء يسمى قلادة . وجمعها قلائد ( و ) التقليد ( عرفا ) أي : في عرف الأصوليين ( أخذ مذهب الغير ) أي : اعتقاد صحته واتباعه عليه ( بلا ) أي : من غير ( معرفة دليله ) أي : دليل مذهب الغير الذي اقتضاه ، وأوجب القول به ، فقوله " أخذ " جنس . والمراد به : اعتقاد ذلك ، ولو لم يعمل
[ ص: 617 ] به لفسق أو غير فسق ، وقوله " مذهب " يشمل ما كان قولا له أو فعلا .
ونسبة المذهب إلى الغير يخرج به ما كان معلوما بالضرورة ، ولا يختص به ذلك الغير إذا كان من أقواله وأفعاله التي ليس له فيها اجتهاد ، فإنها لا تسمى مذهبه ، وقوله " بلا معرفة دليله " يشمل المجتهد إذا لم يجتهد ولا عرف الدليل ، وجوزنا له التقليد ، فإنه حينئذ كالعامي في أخذه بقول الغير من غير معرفة دليله ، فيخرج عنه المجتهد إذا عرف الدليل ، ووافق اجتهاده اجتهاد مجتهد آخر ، فإنه لا يسمى تقليدا . كما يقال : أخذ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بمذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في كذا . وأخذ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بمذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في كذا ، وإنما خرج ذلك ; لأنه - وإن صدق عليه أنه أخذ بقول الغير - لكنه مع معرفة دليله حق المعرفة فما أخذ حقيقة إلا من الدليل لا من المجتهد ، فيكون إطلاق الأخذ بمذهبه فيه تجوز .
وعبر
الآمدي nindex.php?page=showalam&ids=12671وابن الحاجب بقولهما " بغير حجة " وهو يقتضي أن أخذ القول ممن قوله حجة لا يسمى تقليدا ومثلا ذلك بأخذ العامي بقول مثله ، وأخذ المجتهد بقول مثله في حكم شرعي وحيث تقرر أن التقليد أخذ مذهب الغير بلا معرفة دليله ( فالرجوع إلى قوله صلى الله عليه وسلم وإلى المفتي ، و ) إلى ( الإجماع ، و ) رجوع ( القاضي إلى العدول : ليس بتقليد ، ولو سمي تقليدا لساغ ) ذلك .
وفي المقنع : المشهور أن أخذه بقول المفتي تقليد ، وهو أظهر ، وقدمه في آداب المفتي في الإجماع أيضا ، وقيل : والقاضي . وقال
الشيخ تقي الدين في المسودة : والتقليد قبول القول بغير دليل ، فليس المصير إلى الإجماع تقليدا ; لأن الإجماع دليل وكذلك يقبل قول الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يقال : تقليدا ، بخلاف فتوى الفقيه ، وذكر في ضمن مسألة التقليد : أن الرجوع إلى قول الصحابي ليس بتقليد ; لأنه حجة ، وقال فيها : لما جاز تقليد الصحابة لزمه ذلك ، ولم يجز له مخالفته ، بخلاف الأعلم ، وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في رواية
أبي الحارث " من قلد في الخبر : رجوت أن يسلم إن شاء الله تعالى " فقد أطلق اسم التقليد على من صار إلى الخبر ، وإن كان حجة في نفسه . انتهى .