الرابع : التجريبيات : وقد يعبر عنها باطراد العادات ، وذلك مثل حكمك بأن النار محرقة والخبز مشبع والحجر هاو إلى أسفل والنار صاعدة إلى فوق والخمر مسكر والسقمونيا مسهل . فإذا
المعلومات التجريبية يقينية عند من جربها .
والناس يختلفون في هذه العلوم
[ ص: 37 ] لاختلافهم في التجربة . فمعرفة الطبيب بأن السقمونيا مسهل كمعرفتك بأن الماء مرو ، وكذلك الحكم بأن المغناطيس جاذب للحديد عند من عرفه . وهذه غير المحسوسات ; لأن مدرك الحس هو أن هذا الحجر يهوي إلى الأرض ، وأما الحكم بأن كل حجر هاو فهي قضية عامة لا قضية في عين وليس للحس إلا قضية في عين . وكذلك إذا رأى مائعا وقد شربه فسكر فحكم بأن جنس هذا المائع مسكر فالحس لم يدرك إلا شربا وسكرا واحدا معينا ، فالحكم في الكل إذا هو للعقل ولكن بواسطة الحس أو بتكرر الإحساس مرة بعد أخرى ، إذ المرة الواحدة لا يحصل العلم بها ، فمن تألم له موضع فصب عليه مائعا فزال ألمه لم يحصل له العلم بأنه المزيل إذ يحتمل أن زواله بالاتفاق ، بل هو كما لو قرأ عليه سورة الإخلاص فزال فربما يخطر له أن إزالته بالاتفاق فإذا تكرر مرات كثيرة في أحوال مختلفة انغرس في النفس يقين وعلم بأنه المؤثر ، كما حصل بأن الاصطلاء بالنار مزيل للبرد والخبز مزيل لألم الجوع .
وإذا تأملت هذا عرفت أن العقل قد ناله بعد التكرر على الحس بواسطة قياس خفي ارتسم فيه ولم يشعر بذلك القياس ; لأنه لم يلتفت إليه ولم يشغله بلفظ ، وكأن العقل يقول لو لم يكن هذا السبب يقتضيه لما اطرد في الأكثر ولو كان بالاتفاق لاختلف . وهذا الآن يحرك قطبا عظيما في معنى تلازم الأسباب والمسببات التي يعبر عنها باطراد العادات ، وقد نبهنا على غورها في كتاب " تهافت الفلاسفة " والمقصود تمييز التجريبيات عن الحسيات ، ومن لم يمعن في تجربة الأمور تعوزه جملة من اليقينيات فيتعذر عليه ما يلزم منها من النتائج فيستفيدها من أهل المعرفة بها ، وهذا كما أن الأعمى والأصم تعوزهما جملة من العلوم التي تستنتج من مقدمات محسوسة حتى يقدر الأعمى على أن يعرف بالبرهان أن الشمس أكبر من الأرض ، فإن ذلك يعرف بأدلة هندسية تنبني على مقدمات حسية ولما كان السمع والبصر شبكة جملة من العلوم قرنهما الله تعالى بالفؤاد في كتابه في مواضع .
الخامس : متواترات . كعلمنا بوجود
مكة ووجود
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وبعدد الصلوات الخمس بل كعلمنا بأن من مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أن المسلم لا يقتل بالذمي فإن هذا أمر وراء المحسوس إذ ليس للحس إلا أن يسمع صوت المخبر بوجود
مكة وأما الحكم بصدقه فهو للعقل وآلته السمع ولا مجرد السمع بل تكرر السماع ولا ينحصر العدد الموجب للعلم في عدد ومن تكلف حصر ذلك فهو في شطط بل هو كتكرر التجربة ولكل مرة في التجربة شهادة أخرى إلى أن ينقلب الظن علما ولا يشعر بوقته فكذلك التواتر .
فهذه مدارك العلوم اليقينية الحقيقية الصالحة لمقدمات البراهين وما بعدها ليس كذلك