مسألة : قال قوم : يجوز النسخ بالأخف ولا يجوز بالأثقل
قال قوم : يجوز النسخ بالأخف ولا يجوز بالأثقل .
فنقول امتناع
النسخ بالأثقل عرفتموه عقلا أو شرعا ؟ ولا يستحيل عقلا لأنه لا يمتنع لذاته ولا للاستصلاح ، فإنا ننكره وإن قلنا به ، فلم يستحيل أن تكون المصلحة في التدريج والترقي من الأخف إلى الأثقل كما كانت المصلحة في ابتداء التكليف ورفع الحكم الأصلي . فإن قيل : إن الله تعالى رءوف رحيم بعباده ولا يليق به التشديد . قلنا : فينبغي أن لا يليق به ابتداء التكليف ولا تسليط المرض والفقر وأنواع العذاب على الخلق .
فإن قالوا : إنه يمتنع سمعا لقوله تعالى : {
يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } ولقوله تعالى : {
يريد الله أن يخفف عنكم } قلنا : فينبغي أن يتركهم وإباحة الفعل ففيه اليسر ، ثم ينبغي أن لا ينسخ بالمثل لأنه لا يسر فيه إذ اليسر في رفعه إلى غير بدل أو بالأخف ، وهذه الآيات وردت في صور خاصة أريد بها التخفيف وليس فيه منع إرادة التثقيل والتشديد .
فإن قيل فقد قال : {
ما ننسخ من آية أو ننسها } الآية ، وهذا خير عام والخير ما هو خير لنا وإلا فالقرآن خير كله ، والخير لنا ما هو أخف علينا . قلنا : لا بل الخير ما هو أجزل ثوابا وأصلح لنا في المآل وإن كان أثقل في الحال . فإن قيل : لا يمتنع ذلك عقلا بل سمعا ; لأنه لم يوجد في الشرع نسخ بالأثقل .
قلنا : ليس كذلك ، إذ أمر الصحابة أولا بترك القتال والإعراض ثم بنصب القتال مع التشديد بثبات الواحد للعشرة ، وكذلك نسخ التخيير بين الصوم والفدية بالإطعام بتعيين الصيام وهو تضييق ، وحرم الخمر ونكاح المتعة والحمر الأهلية بعد إطلاقها ، ونسخ جواز تأخير الصلاة عند الخوف إلى إيجابها في أثناء القتال ،
[ ص: 97 ] ونسخ صوم عاشوراء بصوم رمضان وكانت الصلاة ركعتين عند قوم فنسخت بأربع في الحضر .