فصل [ المضي في الحج الفاسد لا يخالف القياس ]
وأما
المضي في الحج الفاسد فليس مخالفا للقياس ; فإن الله سبحانه أمر بإتمام الحج والعمرة ، فعلى من شرع فيهما أن يمضي فيهما وإن كان متطوعا بالدخول باتفاق الأئمة ، وإن تنازعوا فيما سواه من التطوعات : هل تلزم بالشروع أم لا ؟ فقد وجب عليه بالإحرام أن يمضي فيه إلى حين يتحلل ، ووجب عليه الإمساك عن الوطء ، فإذا وطئ فيه لم
[ ص: 24 ] يسقط وطؤه ما وجب عليه من إتمام النسك ، فيكون ارتكابه ما حرمه الله عليه سببا لإسقاط الواجب عليه ، ونظير هذا
الصائم إذ أفطر عمدا لم يسقط عنه فطره ما وجب عليه من إتمام الإمساك ، ولا يقال له : قد بطل صومك فإن شئت أن تأكل فكل ، بل يجب عليه المضي فيه وقضاؤه ; لأن الصائم له حد محدود وهو غروب الشمس .
فإن قيل : فهلا طردتم ذلك في الصلاة إذا أفسدها ، وقلتم : يمضي فيها ثم يعيدها .
قيل : من هاهنا ظن من ظن أن المضي في الحج الفاسد على خلاف القياس ، والفرق بينهما أن الحج له وقت محدود وهو يوم
عرفة كما للصيام وقت محدود وهو الغروب ، وللحج مكان مخصوص لا يمكن إحلال المحرم قبل وصوله إليه كما لا يمكن فطر الصائم قبل وصوله إلى وقت الفطر ، فلا يمكنه فعله ولا فعل الحج ثانيا في وقته ، بخلاف الصلاة فإنه يمكنه فعلها ثانيا في وقتها ; وسر الفرق أن وقت الصيام والحج بقدر فعله لا يسع غيره ، ووقت الصلاة أوسع منها فيسع غيرها ، فيمكنه تدارك فعلها إذا فسدت في أثناء الوقت ، ولا يمكن تدارك الصيام والحج إذا فسدا إلا في وقت آخر نظير الوقت الذي أفسدهما فيه ، والله أعلم