فصل [
nindex.php?page=treesubj&link=2430العذر بالنسيان ]
وأما من
nindex.php?page=treesubj&link=2430أكل في صومه ناسيا فمن قال : " عدم فطره ومضيه في صومه على خلاف القياس " ظن أنه من باب ترك المأمور ناسيا ، والقياس أنه يلزمه الإتيان بما تركه ، كما لو
nindex.php?page=treesubj&link=1343أحدث ونسي حتى صلى ، والذين قالوا : " بل هو على وفق القياس " حجتهم أقوى ; لأن قاعدة الشريعة أن من فعل محظورا ناسيا فلا إثم عليه ، كما دل عليه قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه استجاب هذا الدعاء ، وقال : قد فعلت ; وإذا ثبت أنه غير آثم فلم يفعل في صومه محرما فلم يبطل صومه ، وهذا محض القياس ; فإن العبادة إنما تبطل بفعل محظور أو ترك مأمور .
وطرد هذا القياس أن من
nindex.php?page=treesubj&link=22741تكلم في صلاته ناسيا لم تبطل صلاته .
وطرده أيضا أن من
nindex.php?page=treesubj&link=2430_3466_3474جامع في إحرامه أو صيامه ناسيا لم يبطل صيامه ولا إحرامه .
وكذلك من
nindex.php?page=treesubj&link=3474تطيب أو لبس أو غطى رأسه أو حلق رأسه أو قلم ظفره ناسيا فلا فدية عليه ، بخلاف قتل الصيد ، فإنه من باب ضمان المتلفات فهو كدية القتيل .
وأما اللباس والطيب فمن باب الترفه ، وكذلك الحلق والتقليم ليس من باب الإتلاف فإنه لا قيمة له في الشرع ولا في العرف .
وطرد هذا القياس أن من
nindex.php?page=treesubj&link=16502_16500فعل المحلوف [ ص: 25 ] عليه ناسيا لم يحنث ، سواء حلف بالله أو بالطلاق أو بالعتاق أو غير ذلك ; لأن القاعدة أن من فعل المنهي عنه ناسيا لم يعد عاصيا ، والحنث في الأيمان كالمعصية في الإيمان .
فلا يعد حانثا من فعل المحلوف عليه ناسيا .
وطرد هذا أيضا أن من
nindex.php?page=treesubj&link=1345_1343_1336باشر النجاسة في الصلاة ناسيا لم تبطل صلاته ، بخلاف من
nindex.php?page=treesubj&link=3074_1342_23393ترك شيئا من فروض الصلاة ناسيا أو ترك الغسل من الجنابة أو الوضوء أو الزكاة أو شيئا من فروض الحج ناسيا فإنه يلزمه الإتيان به ; لأنه لم يؤد ما أمر به ، فهو في عهدة الأمر .
وسر الفرق أن من فعل المحظور ناسيا يجعل وجوده كعدمه ، ونسيان ترك المأمور لا يكون عذرا في سقوطه ، كما كان فعل المحظور ناسيا عذرا في سقوط الإثم عن فاعله .
فإن قيل : فهذا الفرق حجة عليكم ; لأن ترك المفطرات في الصوم من باب المأمورات ، ولهذا تشترط فيه النية ، ولو كان فعل المفطرات من باب المحظور لم يحتج إلى نية كفعل سائر المحظورات .
قيل : لا ريب أن النية في الصوم شرط ، ولولاها لما كان عبادة ، ولا أثيب عليه ; لأن الثواب لا يكون إلا بالنية ; فكانت النية شرطا في كون هذا الترك عبادة ، ولا يختص ذلك بالصوم ، بل كل ترك لا يكون عبادة ولا يثاب عليه إلا بالنية ، ومع ذلك فلو فعله ناسيا لم يأثم به ، فإذا نوى تركها لله ثم فعلها ناسيا لم يقدح نسيانه في أجره ، بل يثاب على قصد تركها لله ، ولا يأثم بفعلها ناسيا ، وكذلك الصوم .
وأيضا فإن فعل الناسي غير مضاف إليه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=35606من أكل أو شرب ناسيا فليتم صومه ; فإنما أطعمه الله وسقاه } فأضاف فعله ناسيا إلى الله لكونه لم يرده ولم يتعمده ، وما يكون مضافا إلى الله لم يدخل تحت قدرة العبد ، فلم يكلف به ، فإنه إنما يكلف بفعله ، لا بما يفعل فيه ، ففعل الناسي كفعل النائم والمجنون والصغير .
وكذلك لو
nindex.php?page=treesubj&link=2429_2465احتلم الصائم في منامه أو ذرعه القيء في اليقظة لم يفطر ، ولو استدعى ذلك أفطر به ; فلو كان ما يوجد بغير قصده كما يوجد بقصده لأفطر بهذا وهذا . [
nindex.php?page=treesubj&link=27987_27990_2449_2448هل هناك فرق بين الناسي والمخطئ ؟ ] .
فإن قيل : فأنتم تفطرون المخطئ كمن أكل يظنه ليلا فبان نهارا أفطر .
قيل : هذا فيه نزاع معروف بين السلف والخلف ، والذين فرقوا بينهما قالوا : فعل المخطئ يمكن الاحتراز منه ، بخلاف الناسي .
[ ص: 26 ] ونقل عن بعض السلف أنه يفطر في مسألة الغروب دون مسألة الطلوع كما لو استمر الشك .
قال
شيخنا : وحجة من قال : لا يفطر في الجميع أقوى ، ودلالة الكتاب والسنة على قولهم أظهر ; فإن الله سبحانه سوى بين الخطإ والنسيان في عدم المؤاخذة ; ولأن فعل محظورات الحج يستوي فيه المخطئ والناسي ; ولأن كل واحد منهما غير قاصد للمخالفة ، وقد ثبت في الصحيح أنهم أفطروا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس ، ولم يثبت في الحديث أنهم أمروا بالقضاء ، ولكن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة سئل عن ذلك فقال : لا بد من قضاء ، وأبوه
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة أعلم منه ، وكان يقول : لا قضاء عليهم .
وثبت في الصحيحين أن بعض الصحابة أكلوا حتى ظهر لهم الخيط الأسود من [ الخيط ] الأبيض ولم يأمر أحدا منهم بقضاء وكانوا مخطئين ، وثبت عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب أنه أفطر ثم تبين النهار فقال : لا نقضي ; لأنا لم نتجانف لإثم ، وروي عنه أنه قال : نقضي ، وإسناده الأول أثبت ، وصح عنه أنه قال : الخطب يسير ; فتأول ذلك من تأوله على أنه أراد خفة أمر القضاء ، واللفظ لا يدل على ذلك .
قال
شيخنا : وبالجملة فهذا القول أقوى أثرا ونظرا ، وأشبه بدلالة الكتاب والسنة والقياس .
قلت له : فالنبي صلى الله عليه وسلم مر على رجل يحتجم فقال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1392أفطر الحاجم والمحجوم } ولم يكونا عالمين بأن الحجامة تفطر ، ولم يبلغهما قبل ذلك قوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1392أفطر الحاجم والمحجوم } ولعل الحكم إنما شرع ذلك اليوم .
فأجابني بما مضمونه أن الحديث اقتضى أن ذلك الفعل مفطر ، وهذا كما لو رأى إنسانا يأكل أو يشرب فقال : أفطر الآكل والشارب ; فهذا فيه بيان السبب المقتضي للفطر ، ولا تعرض فيه للمانع .
وقد علم أن النسيان مانع من الفطر بدليل خارج ، فكذلك الخطأ والجهل ، والله أعلم
فَصْلٌ [
nindex.php?page=treesubj&link=2430الْعُذْرُ بِالنِّسْيَانِ ]
وَأَمَّا مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=2430أَكَلَ فِي صَوْمِهِ نَاسِيًا فَمَنْ قَالَ : " عَدَمُ فِطْرِهِ وَمُضِيِّهِ فِي صَوْمِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ " ظَنَّ أَنَّهُ مِنْ بَابِ تَرْكِ الْمَأْمُورِ نَاسِيًا ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِمَا تَرَكَهُ ، كَمَا لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=1343أَحْدَثَ وَنَسِيَ حَتَّى صَلَّى ، وَاَلَّذِينَ قَالُوا : " بَلْ هُوَ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ " حُجَّتُهُمْ أَقْوَى ; لِأَنَّ قَاعِدَةَ الشَّرِيعَةِ أَنَّ مَنْ فَعَلَ مَحْظُورًا نَاسِيًا فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } وَثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ اسْتَجَابَ هَذَا الدُّعَاءَ ، وَقَالَ : قَدْ فَعَلْتُ ; وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ غَيْرُ آثِمٍ فَلَمْ يَفْعَلْ فِي صَوْمِهِ مُحَرَّمًا فَلَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ ، وَهَذَا مَحْضُ الْقِيَاسِ ; فَإِنَّ الْعِبَادَةَ إنَّمَا تَبْطُلُ بِفِعْلِ مَحْظُورٍ أَوْ تَرْكِ مَأْمُورٍ .
وَطَرْدُ هَذَا الْقِيَاسِ أَنَّ مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=22741تَكَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ نَاسِيًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ .
وَطَرْدُهُ أَيْضًا أَنَّ مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=2430_3466_3474جَامَعَ فِي إحْرَامِهِ أَوْ صِيَامِهِ نَاسِيًا لَمْ يَبْطُلْ صِيَامُهُ وَلَا إحْرَامُهُ .
وَكَذَلِكَ مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=3474تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ أَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ أَوْ قَلَّمَ ظُفْرَهُ نَاسِيًا فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ ، بِخِلَافِ قَتْلِ الصَّيْدِ ، فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ فَهُوَ كَدِيَةِ الْقَتِيلِ .
وَأَمَّا اللِّبَاسُ وَالطِّيبُ فَمِنْ بَابِ التَّرَفُّهِ ، وَكَذَلِكَ الْحَلْقُ وَالتَّقْلِيمُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْإِتْلَافِ فَإِنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَلَا فِي الْعُرْفِ .
وَطَرْدُ هَذَا الْقِيَاسِ أَنَّ مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=16502_16500فَعَلَ الْمَحْلُوفَ [ ص: 25 ] عَلَيْهِ نَاسِيًا لَمْ يَحْنَثْ ، سَوَاءٌ حَلَفَ بِاَللَّهِ أَوْ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْعَتَاقِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ مَنْ فَعَلَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ نَاسِيًا لَمْ يُعَدَّ عَاصِيًا ، وَالْحِنْثُ فِي الْأَيْمَانِ كَالْمَعْصِيَةِ فِي الْإِيمَانِ .
فَلَا يُعَدُّ حَانِثًا مِنْ فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ نَاسِيًا .
وَطَرْدُ هَذَا أَيْضًا أَنَّ مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=1345_1343_1336بَاشَرَ النَّجَاسَةَ فِي الصَّلَاةِ نَاسِيًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ ، بِخِلَافِ مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=3074_1342_23393تَرَكَ شَيْئًا مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ نَاسِيًا أَوْ تَرَكَ الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ أَوْ الْوُضُوءَ أَوْ الزَّكَاةَ أَوْ شَيْئًا مِنْ فُرُوضِ الْحَجِّ نَاسِيًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ مَا أُمِرَ بِهِ ، فَهُوَ فِي عُهْدَةِ الْأَمْرِ .
وَسِرُّ الْفَرْقِ أَنَّ مَنْ فَعَلَ الْمَحْظُورَ نَاسِيًا يُجْعَلُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ ، وَنِسْيَانُ تَرْكِ الْمَأْمُورِ لَا يَكُونُ عُذْرًا فِي سُقُوطِهِ ، كَمَا كَانَ فِعْلُ الْمَحْظُورِ نَاسِيًا عُذْرًا فِي سُقُوطِ الْإِثْمِ عَنْ فَاعِلِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَهَذَا الْفَرْقُ حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ ; لِأَنَّ تَرْكَ الْمُفْطِرَاتِ فِي الصَّوْمِ مِنْ بَابِ الْمَأْمُورَاتِ ، وَلِهَذَا تُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ ، وَلَوْ كَانَ فِعْلُ الْمُفْطِرَاتِ مِنْ بَابِ الْمَحْظُورِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى نِيَّةٍ كَفِعْلِ سَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ .
قِيلَ : لَا رَيْبَ أَنَّ النِّيَّةَ فِي الصَّوْمِ شَرْطٌ ، وَلَوْلَاهَا لَمَا كَانَ عِبَادَةً ، وَلَا أُثِيبَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الثَّوَابَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالنِّيَّةِ ; فَكَانَتْ النِّيَّةُ شَرْطًا فِي كَوْنِ هَذَا التَّرْكِ عِبَادَةً ، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالصَّوْمِ ، بَلْ كُلُّ تَرْكٍ لَا يَكُونُ عِبَادَةً وَلَا يُثَابُ عَلَيْهِ إلَّا بِالنِّيَّةِ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَوْ فَعَلَهُ نَاسِيًا لَمْ يَأْثَمْ بِهِ ، فَإِذَا نَوَى تَرْكَهَا لِلَّهِ ثُمَّ فَعَلَهَا نَاسِيًا لَمْ يَقْدَحْ نِسْيَانُهُ فِي أَجْرِهِ ، بَلْ يُثَابُ عَلَى قَصْدِ تَرْكِهَا لِلَّهِ ، وَلَا يَأْثَمُ بِفِعْلِهَا نَاسِيًا ، وَكَذَلِكَ الصَّوْمُ .
وَأَيْضًا فَإِنَّ فِعْلَ النَّاسِي غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهِ ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=35606مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ ; فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ } فَأَضَافَ فِعْلَهُ نَاسِيًا إلَى اللَّهِ لِكَوْنِهِ لَمْ يُرِدْهُ وَلَمْ يَتَعَمَّدْهُ ، وَمَا يَكُونُ مُضَافًا إلَى اللَّهِ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ قُدْرَةِ الْعَبْدِ ، فَلَمْ يُكَلَّفْ بِهِ ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يُكَلَّفُ بِفِعْلِهِ ، لَا بِمَا يُفْعَلُ فِيهِ ، فَفِعْلُ النَّاسِي كَفِعْلِ النَّائِمِ وَالْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=2429_2465احْتَلَمَ الصَّائِمُ فِي مَنَامِهِ أَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فِي الْيَقَظَةِ لَمْ يُفْطِرْ ، وَلَوْ اسْتَدْعَى ذَلِكَ أَفْطَرَ بِهِ ; فَلَوْ كَانَ مَا يُوجَدُ بِغَيْرِ قَصْدِهِ كَمَا يُوجَدُ بِقَصْدِهِ لَأَفْطَرَ بِهَذَا وَهَذَا . [
nindex.php?page=treesubj&link=27987_27990_2449_2448هَلْ هُنَاكَ فَرْقٌ بَيْنَ النَّاسِي وَالْمُخْطِئِ ؟ ] .
فَإِنْ قِيلَ : فَأَنْتُمْ تُفَطِّرُونَ الْمُخْطِئَ كَمَنْ أَكَلَ يَظُنُّهُ لَيْلًا فَبَانَ نَهَارًا أَفْطَرَ .
قِيلَ : هَذَا فِيهِ نِزَاعٌ مَعْرُوفٌ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ ، وَاَلَّذِينَ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا قَالُوا : فِعْلُ الْمُخْطِئِ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ ، بِخِلَافِ النَّاسِي .
[ ص: 26 ] وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ يُفْطِرُ فِي مَسْأَلَةِ الْغُرُوبِ دُونَ مَسْأَلَةِ الطُّلُوعِ كَمَا لَوْ اسْتَمَرَّ الشَّكُّ .
قَالَ
شَيْخُنَا : وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ : لَا يُفْطِرُ فِي الْجَمِيعِ أَقْوَى ، وَدَلَالَةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى قَوْلِهِمْ أَظْهَرُ ; فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ سَوَّى بَيْنَ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ فِي عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ ; وَلِأَنَّ فِعْلَ مَحْظُورَاتِ الْحَجِّ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُخْطِئُ وَالنَّاسِي ; وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ قَاصِدٍ لِلْمُخَالَفَةِ ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُمْ أَفْطَرُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ أُمِرُوا بِالْقَضَاءِ ، وَلَكِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=17245هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : لَا بُدَّ مِنْ قَضَاءٍ ، وَأَبُوهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16561عُرْوَةُ أَعْلَمُ مِنْهُ ، وَكَانَ يَقُولُ : لَا قَضَاءَ عَلَيْهِمْ .
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ أَكَلُوا حَتَّى ظَهَرَ لَهُمْ الْخَيْطُ الْأَسْوَدُ مِنْ [ الْخَيْطِ ] الْأَبْيَضِ وَلَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا مِنْهُمْ بِقَضَاءٍ وَكَانُوا مُخْطِئِينَ ، وَثَبَتَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ أَفْطَرَ ثُمَّ تَبَيَّنَ النَّهَارَ فَقَالَ : لَا نَقْضِي ; لِأَنَّا لَمْ نَتَجَانَفْ لِإِثْمٍ ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : نَقْضِي ، وَإِسْنَادُهُ الْأَوَّلُ أَثْبَتُ ، وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : الْخَطْبُ يَسِيرٌ ; فَتَأَوَّلَ ذَلِكَ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ خِفَّةَ أَمْرِ الْقَضَاءِ ، وَاللَّفْظُ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ .
قَالَ
شَيْخُنَا : وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا الْقَوْلُ أَقْوَى أَثَرًا وَنَظَرًا ، وَأَشْبَهَ بِدَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ .
قُلْتُ لَهُ : فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ يَحْتَجِمُ فَقَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1392أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ } وَلَمْ يَكُونَا عَالِمَيْنِ بِأَنَّ الْحِجَامَةَ تُفْطِرُ ، وَلَمْ يَبْلُغْهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1392أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ } وَلَعَلَّ الْحُكْمَ إنَّمَا شَرَعَ ذَلِكَ الْيَوْمَ .
فَأَجَابَنِي بِمَا مَضْمُونُهُ أَنَّ الْحَدِيثَ اقْتَضَى أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ مُفْطِرٌ ، وَهَذَا كَمَا لَوْ رَأَى إنْسَانًا يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ فَقَالَ : أَفْطَرَ الْآكِلُ وَالشَّارِبُ ; فَهَذَا فِيهِ بَيَانُ السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لِلْفِطْرِ ، وَلَا تَعَرَّضَ فِيهِ لِلْمَانِعِ .
وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ النِّسْيَانَ مَانِعٌ مِنْ الْفِطْرِ بِدَلِيلٍ خَارِجٍ ، فَكَذَلِكَ الْخَطَأُ وَالْجَهْلُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ