[ ص: 63 ] فصل [
حكمة الله في الفرق بين الحرة والأمة في تحصين الرجل ]
وأما قوله : " وجعل الحرة القبيحة الشوهاء تحصن الرجل ، والأمة البارعة الجمال لا تحصنه " فتعبير سيء عن معنى صحيح ; فإن حكمة الشارع اقتضت وجوب حد الزنا على من كملت عليه نعمة الله بالحلال ، فيتخطاه إلى الحرام ، ولهذا لم يوجب كمال الحد على من لم يحصن ، واعتبر للإحصان أكمل أحواله ، وهو أن يتزوج بالحرة التي يرغب الناس في مثلها ، دون الأمة التي لم يبح الله نكاحها إلا عند الضرورة ، فالنعمة بها ليست كاملة ، ودون التسري الذي هو في الرتبة دون النكاح ; فإن الأمة ولو كانت ما عسى أن تكون لا تبلغ رتبة الزوجة ، لا شرعا ولا عرفا ولا عادة ، بل قد جعل الله لكل منهما رتبة ، والأمة لا تراد لما تراد له الزوجة ، ولهذا كان له أن يملك من لا يجوز له نكاحها ، ولا قسم عليه في ملك يمينه ، فأمته تجري في الابتذال والامتهان والاستخدام مجرى دابته وغلامه ، بخلاف الحرائر ، وكان من محاسن الشريعة أن اعتبرت في كمال النعمة على من يجب عليه الحد أن يكون قد عقد على حرة ودخل بها ; إذ بذلك يقضي كمال وطره ، ويعطي شهوته حقها ، ويضعها مواضعها ، هذا هو الأصل ومنشأ الحكمة .
ولا يعتبر ذلك في كل فرد فرد من أفراد المحصنين ، ولا يضر تخلفه في كثير من المواضع ; إذ شأن الشرائع الكلية أن تراعي الأمور العامة المنضبطة ، ولا ينقضها تخلف الحكمة في أفراد الصور ، كما هذا شأن الخلق ; فهو موجب حكمة الله في خلقه وأمره في قضائه وشرعه ، وبالله التوفيق .