الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فصل [ الحكمة في نقض الوضوء بمس ذكره دون غيره من الأعضاء ]

وأما قوله : " ونقض الوضوء بمس الذكر دون سائر الأعضاء ، ودون مس العذرة والبول " فلا ريب أنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بالوضوء من مس الذكر ، وروي عنه خلافه ، وأنه سئل عنه فقال للسائل : { هل هو إلا بضعة منك } وقد قيل : إن هذا الخبر لم يصح ، وقيل : بل هو منسوخ ، وقيل : بل هو محكم دال على عدم الوجوب ، وحديث الأمر دال على الاستحباب ; فهذه ثلاثة مسالك للناس في ذلك .

وسؤال السائل ينبني على صحة حديث الأمر بالوضوء وإنه للوجوب ، ونحن نجيبه على هذا التقدير ، فنقول : هذا من كمال الشريعة وتمام محاسنها ، فإن مس الذكر بالوطء ، وهو في مظنة [ ص: 64 ] الانتشار غالبا ، والانتشار الصادر عن المس في مظنة خروج المذي ولا يشعر به ; فأقيمت هذه المظنة مقام الحقيقة لخفائها وكثرة وجودها ، كما أقيم النوم مقام الحديث ، وكما أقيم لمس المرأة بشهوة مقام الحدث .

وأيضا فإن مس الذكر يوجب انتشار حرارة الشهوة وثورانها في البدن ، والوضوء يطفئ تلك الحرارة ، وهذا مشاهد بالحس ، ولم يكن الوضوء من مسه لكونه نجسا ، ولا لكونه مجرى النجاسة حتى يورد السائل مس العذرة والبول ، ودعواه بمساواة مس الذكر للأنف من أكذب الدعاوى وأبطل القياس ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية