[ ص: 92 ] فصل :
[
الفرق بين الشفعة وأخذ مال الغير ]
وأما قوله : " وحرم
أخذ مال الغير إلا بطيب نفس منه ، ثم سلطه على أخذ عقاره وأرضه بالشفعة ثم شرع الشفعة فيما يمكن التخلص من ضرر الشركة فيه بالقسمة دون ما لا يمكن قسمته كالجوهرة والحيوان " فهذا السؤال قد أورده على وجهين : أحدهما : على
أصل الشفعة وأن الاستحقاق بها مناف لتحريم أخذ مال الغير إلا بطيب نفس منه .
والثاني : أنه خص بعض المبيع بالشفعة دون بعض مع قيام السبب الموجب للشفعة ، وهو ضرر الشركة .
ونحن بحمد الله وعونه نجيب عن الأمرين ; فنقول : ورود الشرع بالشفعة دليل على الحكمة .
من محاسن الشريعة وعدلها وقيامها بمصالح العباد ورودها بالشفعة ، ولا يليق بها غير ذلك ; فإن حكمة الشارع اقتضت رفع الضرر عن المكلفين ما أمكن ، فإن لم يمكن رفعه إلا بضرر أعظم منه بقاه على حاله ، وإن أمكن رفعه بالتزام ضرر دونه رفعه به ، ولما كانت الشركة منشأ الضرر في الغالب فإن الخلطاء يكثر فيهم بغي بعضهم على بعض شرع الله سبحانه رفع هذا الضرر : بالقسمة تارة وانفراد كل من الشريكين بنصيبه ، وبالشفعة تارة وانفراد أحد الشريكين بالجملة إذا لم يكن على الآخر ضرر في ذلك ; فإذا أراد بيع نصيبه وأخذ عوضه كان شريكه أحق به من الأجنبي ، وهو يصل إلى غرضه من العوض من أيهما كان ; فكان الشريك أحق بدفع العوض من الأجنبي ، ويزول عنه ضرر الشركة ، ولا يتضرر البائع ; لأنه يصل إلى حقه من الثمن ، وكان هذا من أعظم العدل وأحسن الأحكام المطابقة للعقول والفطر ومصالح العباد . ومن هنا يعلم أن التحيل لإسقاط الشفعة مناقض لهذا المعنى الذي قصده الشارع ومضاد له .