فصل :
[
هل الحلف بالطلاق يمين أو لا ؟ ]
المخرج الثامن : أخذه بقول من يقول إن الحلف بالطلاق لا يلزم ، ولا يقع على الحانث به طلاق ، ولا يلزمه كفارة ولا غيرها ، وهذا مذهب خلق من السلف والخلف ، صح ذلك عن أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب كرم الله وجهه . قال بعض الفقهاء المالكية
، وأهل الظاهر : ولا يعرف
nindex.php?page=showalam&ids=8لعلي في ذلك مخالف من الصحابة ، هذا لفظ
أبي القاسم التيمي في شرح أحكام
عبد الحق ، وقاله قبله
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد بن حزم ، وصح ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس أجل أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنه ، وأفقههم على الإطلاق .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق في مصنفه : أنبأنا
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : أخبرني
nindex.php?page=showalam&ids=16446ابن طاوس عن أبيه أنه كان يقول : الحلف بالطلاق ليس شيئا ، قلت : أكان يراه يمينا ؟ قال : لا أدري ، وهذا أصح إسناد عمن هو من أجل التابعين ، وأفقههم ، وقد وافقه أكثر من أربعمائة عالم ممن بنى فقهه على نصوص الكتاب والسنة دون القياس ، ومن آخرهم
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد بن حزم .
قال في كتابه المحلى : مسألة اليمين بالطلاق لا يلزم ، سواء بر أو حنث ، لا يقع به طلاق ، ولا طلاق إلا كما أمر الله تعالى ، ولا يمين إلا كما شرع الله تعالى على لسان رسوله ، ثم قرر
[ ص: 76 ] ذلك ، وساق اختلاف الناس في ذلك ، ثم قال : فهؤلاء
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ،
nindex.php?page=showalam&ids=16097وشريح nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس لا يقضون بالطلاق على من حلف به فحنث ، ولا يعرف في ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=8لعلي كرم الله وجهه مخالف من الصحابة رضي الله عنهم .
قلت : أما أثر
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه فرواه
nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة عن
حميد عن
الحسن أن
رجلا تزوج امرأة ، وأراد سفرا ، فأخذه أهل امرأته ، فجعلها طالقا إن لم يبعث بنفقتها إلى شهر ، فجاء الأجل ، ولم يبعث إليها بشيء ، فلما قدم خاصموه إلى
nindex.php?page=showalam&ids=8علي ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله وجهه : اضطهدتموه حتى جعلها طالقا ، فردها عليه ، ولا متعلق لهم بقوله " اضطهدتموه " لأنه لم يكن هناك إكراه ، فإنهم إنما طالبوه بحق نفقتها فقط ، ومعلوم أن ذلك ليس بإكراه على الطلاق ولا على اليمين ، وليس في القصة أنهم أكرهوه بالقتل أو بالضرب أو بالحبس أو أخذ المال على اليمين حتى يكون يمين مكره ، والسائلون لم يقولوا
nindex.php?page=showalam&ids=8لعلي شيئا من ذلك ألبتة ، وإنما خاصموه في حكم اليمين فقط ، فنزل
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله وجهه ذلك منزلة المضطهد حيث لم يرد طلاق امرأته ، وإنما أراد التخلص إلى سفره بالحلف ، فالحالف والمضطهد كل منهما لم يرد طلاق امرأته ، فالمضطهد محمول على الطلاق تكلم به ليتخلص من ضرر الإكراه ، والحالف حلف به ليتوصل إلى غرضه من الحض أو المنع أو التصديق أو التكذيب ولو اختلف حال الحالف بين أن يكون مكرها أو مختارا لسأله
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله وجهه عن الإكراه وشروطه وحقيقته ، وبأي شيء أكره ، وهذا ظاهر بحمد الله ، فارض للمقلد بما رضي لنفسه .
وأما أثر
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريح ففي مصنف
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=17240هشام بن حسان عن
nindex.php?page=showalam&ids=16972محمد بن سيرين عن
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريح أنه خوصم إليه في رجل طلق امرأته إن أحدث في الإسلام حدثا ، فاكترى بغلا إلى حمام أعين ، فتعدى به إلى
أصبهان فباعه واشترى به خمرا ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريح : إن شئتم شهدتم عليه أنه طلقها ، فجعلوا يرددون عليه القصة ويردد عليهم ، فلم يره حدثا ، ولا متعلق لقول الراوي - إما
محمد ، وإما
هشام - فلم يره حدثا ، فإنما ذلك ظن منه .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : وأي حدث أعظم ممن تعدى من حمام أعين ، وهو على مسيرة أميال يسيرة من
الكوفة إلى
أصبهان ثم باع بغل مسلم ظلما واشترى به خمرا ؟ .
قلت : والظاهر أن
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريحا لما ردت عليه المرأة ظن من شاهد القصة أنه لم ير ذلك حدثا ; إذ لو رآه حدثا لأوقع عليها الطلاق ،
nindex.php?page=showalam&ids=16097وشريح إنما ردها لأنه علم أنه لم يقصد طلاق امرأته ، وإنما قصد اليمين فقط ، فلم يلزمه بالطلاق ، فقال الراوي فيهم : فلم ير ذلك حدثا ،
nindex.php?page=showalam&ids=16097وشريح أفقه في دين الله أن لا يرى مثل هذا حدثا .
[ ص: 77 ] وممن روى عنه عدم وقوع الطلاق على الحالف إذا حنث
عكرمة مولى ابن عباس ، كما ذكره
سنيد بن داود في تفسيره في أول سورة النور عنه بإسناده أنه سئل عن رجل حلف بالطلاق أنه لا يكلم أخاه ، فكلمه ، فلم ير ذلك طلاقا ، ثم قرأ : {
ولا تتبعوا خطوات الشيطان } .
ومن تأمل المنقول عن السلف في ذلك وجده أربعة أنواع : صريح في عدم الوقوع ، وصريح في الوقوع ، وظاهر في عدم الوقوع ، وتوقف عن الطرفين ، فالمنقول عن
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس وعكرمة صريح في عدم الوقوع ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي عليه السلام
nindex.php?page=showalam&ids=16097وشريح ظاهر في ذلك ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة صريح في التوقف .
وأما التصريح بالوقوع فلا يؤثر عن صحابي واحد إلا فيما هو محتمل لإرادة الوقوع عند الشرط ، كالمنقول عن
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر ، بل الثابت عن الصحابة عدم الوقوع في صورة العتق الذي هو أولى بالنفوذ من الطلاق ، ولهذا ذهب إليه
nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور وقال : القياس أن الطلاق مثله ، إلا أن تجمع الأمة عليه ، فتوقف في الطلاق لتوهم الإجماع .
وهذا عذر أكثر الموقعين للطلاق ، وهو ظنهم أن الإجماع على الوقوع ، مع اعترافهم أنه ليس في الكتاب والسنة والقياس الصحيح ما يقتضي الوقوع ، وإذا تبين أنه ليس في المسألة إجماع تبين أن لا دليل أصلا يدل على الوقوع ، والأدلة الدالة على عدم الوقوع في غاية القوة والكثرة ، وكثير منها لا سبيل إلى دفعه ، فكيف يجوز معارضتها بدعوى إجماع قد علم بطلانه قطعا ؟ فليس بأيدي الموقعين آية من كتاب أو سنة ولا أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ولا قياس صحيح ، والقائلون بعدم الوقوع لو لم يكن معهم إلا الاستصحاب الذي لا يجوز الانتقال عنه إلا لما هو أقوى منه لكان كافيا ، فكيف ومعهم الأقيسة التي أكثرها من باب قياس الأولى ؟
والباقي من القياس المساوي ، وهو قياس النظير على نظيره ، والآثار والعمومات والمعاني الصحيحة والحكم والمناسبات التي شهد لها الشرع بالاعتبار ما لم يدفعهم منازعوهم عنهم بحجة أصلا ؟ وقولهم وسط بين قولين متباينين غاية التباين :
أحدهما قول من يعتبر التعليق فيوقع به الطلاق على كل حال ، سواء كان تعليقا قسميا يقصد به الحالف منع الشرط والجزاء أو تعليقا شرطيا يقصد به حصول الجزاء عند حصول الشرط ، والثاني قول من يقول : إن هذا التعليق كله لغو لا يصح بوجه ما ، ولا يقع الطلاق به ألبتة ، كما سنذكره في المخرج الذي بعد هذا إن شاء الله ، فهؤلاء توسطوا بين الفريقين ، وقالوا : يقع
الطلاق في صورة التعليق المقصود به وقوع الجزاء ، ولا يقع في صورة التعليق القسمي ، وحجتهم قائمة على الفريقين ، وليس لأحد منهما حجة صحيحة عليهم ، بل كل حجة صحيحة احتج بها الموقعون فإنما تدل على الوقوع في صورة التعليق المقصود .
وكل
[ ص: 78 ] حجة احتج بها المانعون صحيحة فإنما تدل على عدم الوقوع في صورة التعليق القسمي ، فهم قائلون بمجموع حجج الطائفتين ، وجامعون للحق الذي مع الفريقين ، ومعارضون قول كل من الفريقين ، وحججهم
[ بقول الفريق الآخر وحججهم ] .