[ ص: 136 ] [ الركن الثالث ]
الفرع وهو الذي يراد ثبوت الحكم فيه . فقيل : هو محل الحكم المختلف فيه ، وهو قياس قول الفقهاء في الأصل . وقيل : هو نفس الحكم الذي في المحل وهو قياس القول الثالث ثم . وقياس قول
المتكلمين في الأصل أنه النص أن يكون الفرع هنا هو العلة ، لكن لم يقل به أحد لأنها أصل في الفرع وفرع في الأصل ، فلم يمكن جعلها فرعا في الفرع . وقال
الأصفهاني : يصح أن يكون الفرع عندهم ثبوت الحكم في محل النص أو علته أو الحكم في محل الخلاف . وقال
السهيلي في " أدب الجدل " : الفرع : ما اختلف الخصمان فيه . وقيل : ما قصد القائس إثبات الحكم فيه . وقيل : ما نصبت الدلالة فيه . وله شروط :
أحدها : وجود العلة الموجودة أي قيامها به وإن كانت عدمية ولا يشترط القطع بوجودها فيه ، خلافا لبعضهم ، بل يكفي الظن وسيأتي في باب العلة .
الثاني : أن تكون العلة الموجودة فيه مثل علة الأصل بلا تفاوت ،
[ ص: 137 ] أعني بالنسبة إلى النقصان ، أما الزيادة فلا يشترط انتفاؤها ، إذ قد يكون الحكم في الفرع أولى ، كقياس الضرب على التأفيف ، وقد يكون مساويا ، كقياس الأمة على العبد في السراية . فإن كان وجودها في الفرع مقطوعا به صح الإلحاق قطعا ، وإن كان مظنونا كقياس الأدون كالتفاح على البر بجامع الطعم فاختلفوا فيه على قولين ، وأصحهما أنه لا يشترط القطع به ، بل يكفي في وجود العلة في الفرع الظن لأنا إذا ظننا وجودها في الفرع ظننا الحكم ، والعمل بالظن واجب .
الثالث : أن يساوي حكمه حكم الأصل فيما يقصد من عين أو جنس ليتأدى به مثل ما يتأدى بالحكم في الأصل ، فإن كان حكم الفرع مخالفا لحكم الأصل فسد القياس .
الرابع : أن يكون خاليا عن معارض راجح يقتضي نقيض ما اقتضته علة القياس . هذا إن جوزنا تخصيص العلة ، فإن لم نجوزه لم يكن هذا شرطا في الفرع الذي يقاس ، بل الفرع الذي يثبت فيه الحكم يقتضي القياس .
الخامس : أن لا يتناول دليل الأصل ، لأنه يكون ثابتا به ، ومنهم من قال : أن لا يكون الفرع منصوصا أو مجمعا عليه ، وهذا ظاهر إذا كان الحكم المنصوص عليه على خلاف القياس . وإلا لزم تقديم القياس على النص وهو ممتنع ، نعم يجوز لتجربة النظر . فأما إذا كان على موافقته ، فإما أن يكون النص الدال على ثبوت حكم الفرع هو بعينه الذي دل على حكم الأصل
[ ص: 138 ] أو غيره ، فإن كان الأول فالقياس باطل ، لأنه ليس جعل تلك الصورة أصلا والأخرى فرعا أولى من العكس ، وإن كان غيره فالقياس فيه جائز عند الأكثرين كما نقله في " المحصول " لأنه ليس المقصود إثبات الحكم بل الاستظهار بتكثير الحجج . وترادف الأدلة على المدلول الواحد جائز لإفادة زيادة الظن . ومنع بعضهم من قياس المنصوص عليه مطلقا ، وأطلق
الآمدي دعوى الإجماع على اشتراطه ، ونقل
الدبوسي في " التقويم " الجواز مطلقا عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فقال : جوز
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي كون الفرع فيه نص ويزداد بالقياس بيان ما كان النص ساكتا عنه ، ولا يجوز إذا كان مخالفا للنص .
السادس : شرط
الغزالي والآمدي انتفاء نص أو إجماع يوافقه ، أي لا يكون منصوصا على شبهه بخلاف الشرط قبله فإنه شرط في نصه هو . والحق أن هذا غير شرط ، وفائدة القياس معرفة العلة أو الحكم ، وفائدة النص ثبوت الحكم .
السابع : أن لا يكون الحكم في الفرع ثابتا قبل الأصل ، لأن الحكم المستفاد متأخر عن المستفاد منه بالضرورة ، فلو تقدم مع ما ذكرته من وجوب تأخره لزم اجتماع النقيضين أو الضدين وهو محال ، وهذا كقياس الوضوء على التيمم في اشتراط النية ، لأن التعبد بالتيمم إنما ورد بعد الهجرة ، والتعبد بالوضوء كان قبله ونازع
العبدري في المثال بأنه من قياس الشبه لا
[ ص: 139 ] من قياس العلة ، ومعناه : طهارتان فكيف تفترقان ؟ ومنع
ابن الصباغ في " العدة " هذا الشرط ، وجوز أن يكون الحكم عليه أمارات متقدمة ومتأخرة ، فللمستدل أن يحتج بالمتقدم منها والمتأخر ، فإن الدليل يجوز تأخره عن ثبوته . ولهذا معجزات النبي صلى الله عليه وسلم منها ما قارن نبوته ، ومنها ما تأخر عنه ، ويجوز الاستدلال على نبوته بما نزل من القرآن
بالمدينة ، وكذا في الأحكام المظنونة وكذا نقل
إلكيا في تعليقه عن الأصحاب أنهم جوزوا ذلك ، فإن العالم متراخ عن القديم فيستدل به على إثبات القديم . ثم قال : وهذا غير صحيح . فإنا لا نستدل بوجود العالم على إثبات الصانع ، لأنه ثابت قطعا . وإنما استدللنا بالعالم على العلم بالصانع . فيحتاج أن يقول هنا : النية في الوضوء كانت ثابتة بدليلها ، وهو إخالة ومناسبة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14979القرطبي : هذا إنما نشأ من حيث إن الوضوء كان معمولا به قبل مشروعية التيمم ، فلو فرضنا أنه لم يعمل به إلى أن شرع التيمم فلا يبعد أن يقاس عليه ويكون فرعا له ، وإن كان متقدما لأن العلل الشرعية أمارات على الأحكام ومعرفات لها وتقديمها كالدليل والمدلول . وقال
ابن برهان : قولهم لا يستفاد حكم المتقدم من المتأخر باطل ، لأنه وإن كان متأخرا إلا أنه حكم شرعي ، والحكم الشرعي إذا ثبت ثبت على الإطلاق . قال : قالوا : هذا إذن يكون نسخا . وإنما هو ضم حكم إلى حكم .
وقال
ابن دقيق العيد رحمه الله : هذا الشرط إنما يتعين إذا توقف استناد الحكم في الفرع إلى الأصل على وجه يتعين طريقا لإثبات الحكم ، لأن المحال إنما يلزم على هذا الوجه ، فإنه منشأ الاستحالة فإذا انتفى ذلك لعدم النص انتفى وجه الاستحالة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب : نعم لا يمتنع أن يكون إلزاما للخصم لتساوي الأصل والفرع في المعنى . وقال
الرازي والهندي : هذا
[ ص: 140 ] إذا لم يكن لحكم الفرع دليل سوى ذلك الأصل المتأخر ، فإنه كان عليه دليل آخر وذكر ذلك على سبيل الإلزام للخصم لا بطريق تقوية المأخذ ، أو بطريق الدلالة لا بطريق التعليل ، ويجوز
أن يتأخر الدليل عن المدلول - كالعالم على الصانع - جاز تأخره ، لزوال المحذور ،
وتوارد الأدلة على مدلول واحد جائز . وهذا فيه نظر ; لأن الكلام في تفرعه عن الأصل المتأخر وذلك لا يمكن ، سواء كان عليه دليل غيره أم لا .
الثامن : شرط
nindex.php?page=showalam&ids=12187أبو هاشم دلالة دليل غير القياس على ثبوت الحكم في الفرع بطريق الإجمال ، ويكون حظ القياس إبانة فيصله والكشف عن موضوعه ، وحكاه
إلكيا الطبري عن
أبي زيد أيضا ، وردده بأن الأولين تشوفوا إلى إجراء القياس اتباعا للأوصاف المخيلة المؤثرة من غير تقييد ، وقد أثبتوا قوله " أنت علي حرام " بالقياس وإن لم يكن عليه نص على جهة الجملة على وجه ما لأن قوله تعالى : {
لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم } ، إنما يمكن عن المنع من تحريمه ولا يفيد حكمه إذا وقع التحريم ( قال ) : ويمكن أن يقول : لعلهم علموا له أصلا غاب عنا .
تنبيه
جرت العادة بأن الفرع لا بد أن يكون مختلفا فيه . فقال بعضهم : لا يجوز أن يكون مجمعا عليه . والحق جوازه ، لأن القياس تعدى الحكم من المنصوص إلى غير المنصوص ، ويجوز أن يثبت كثير من مسائل الإجماع بذلك
[ ص: 141 ] كما بلغ
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أن رجلا باع خمرا وأكل ثمنه فقال : قاتله الله ألم يعلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62652قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها } فهذا الحكم مجمع عليه واستعمل فيه القياس .