وقد
قسموا النص على العلة إلى صريح وظاهر .
[ الأول : الصريح ] : قال
الآمدي : فالصريح هو الذي لا يحتاج فيه إلى نظر واستدلال ، بل يكون اللفظ موضوعا في اللغة له . وقال صاحب التنقيح : هو ما يدل عليه اللفظ سواء كان موضوعا له أو لمعنى يتضمنه . فدخل الحروف المتصلة بغيرها . وقال
الإبياري : ليس المراد بالصريح المعنى الذي لا يقبل التأويل ، بل المنطوق بالتعليل فيه على حسب دلالة اللفظ الظاهر على المعنى . وقد قال
القاضي إنه للتعليل إلا أن يدل على غير ذلك ، وهو بمثابة قوله : {
أقم الصلاة لدلوك الشمس } قال : لا يصلح الدلوك لكونه علة ، فهو معنى عند الدلوك ، وإنما قال ذلك لأن عنده أن العلل الشرعية لا بد فيها من المناسبة ، وليس ميل الشمس من هذا القبيل . ثم الدال على الصريح أقسام :
أحدها -
التصريح بلفظ الحكم : كقوله تعالى : {
حكمة بالغة }
[ ص: 239 ] وهذا أهمله الأصوليون ، وهو أعلاها رتبة .
وثانيها - لعلة كذا ، أو لسبب كذا .
وثالثها - من أجل ، أو لأجل : وهو دون ما قبله ، قاله
ابن السمعاني ، يعني : لأن لفظ العلة تعلم به العلة من غير واسطة من قوله لأجل يفيد معرفتها بواسطة معرفة أن العلة ما لأجلها الحكم ، والدال بلا واسطة أقوى . وكذا قاله الصفي الأصفهاني في النكت . كقوله تعالى : {
من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل } [ الآية ] على أن المشهور في أن " من أجل " متعلق ب " كتبنا " ، أي كتبنا على بني
آدم القصاص من أجل قتل ابن
آدم أخاه ، بمعنى السبب في شرعية القصاص حراسة الدنيا . وظن بعضهم أنه تعليل لقوله : {
من النادمين } أي من أجل قتل أخيه . وليس كذلك ، وإنما هو علة لحكمه سبحانه على باقي الأمم بذلك الحكم . فإن قلت : فكيف يكون قتل واحد بمثابة قتل الناس كلهم ؟
قلت : تفخيما لشأن القتل ، وأنه وصل في أنواع الظلم والفساد إلى هذه الحالة ، ولا يلزم من المتشابهين التساوي من كل الوجوه لاختلافهما في مقدار الإثم واستوائهما في أصله لا وصفه . ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12479إنما جعل الاستئذان من أجل البصر } ، وقوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62656نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي لأجل الدافة } .
[ ص: 240 ]
رابعها - كي : كذا جعلها
الإمام في البرهان من الصريح ، وخالفه
الرازي . والأول أصوب . كقوله تعالى : {
كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم } فعلل سبحانه قسمة الفيء بين الأصناف بتداوله بين الأغنياء دون الفقراء . وقوله : {
لكي لا تأسوا على ما فاتكم } فأخبر أنه قدر ما يصيبهم من البلاء قبل أن تبرأ الأنفس ، أو المصيبة ، أو الأرض ، أو المجموع ; وهو الأحسن . ثم أخبر أن مصدر ذلك قدرته عليه وحكمته البالغة التي فيها أن لا يحزن عباده على ما فاتهم ولا يفرحهم بما آتاهم إذا علموا أن المصيبة مقدرة كائنة ولا بد ، كتبت قبل خلقهم ، فهون عليهم .
خامسها - إذن : كقوله عليه الصلاة والسلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62443أينقص الرطب إذا جف ؟ قالوا : نعم ، قال : فلا إذن } كذا جعله
nindex.php?page=showalam&ids=11815الشيخ أبو إسحاق والغزالي من الصريح ، وجعله في البرهان والمحصول من الظاهر . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11976الشيخ أبو حامد الإسفراييني : ولم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك لأنه لم يعلمه ، لأن ذلك معلوم لكل أحد بالحس ، وإنما سأل عنه ليبين أنه إنما منع من بيعه لأجل أنه ينقص ، لئلا يظن ظان أنه لغير هذه العلة . وزعم بعض الحنفية أن المقصود النهي عن البيع عند النقصان ، لأن إذا لا تتناول إلا المستقبل . ورد عليه
إمام الحرمين بأن المسئول عنه إنما هو فعل
[ ص: 241 ] الحال ، ولم يجر لفعل مستقبل ذكر ، وإنما يجري السؤال بصيغة المصدر . قال
ابن المنير : وهذا مخالف للقواعد ، فإن ( إذا ) أبدا لا يتناول إلا المستقبل ، والفعل المسئول عنه مستقبل قطعا ، لأن الماضي والحال الحقيقي ، - أي الذي حدث ، لا يسأل عنه ، وإنما يسأل عن فعل مستقبل غير أنا لا نقول : إن المستقبل هو البيع في حالة النقصان متفاضلا ، بل المستقبل المسئول عنه حقيقة : هذا رطب وهذا تمر .
وسادسها - ذكر المفعول له : فإنه علة للفعل المعلل ، كقوله تعالى : {
ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة } ونصب ذلك على المفعول له أحسن من غيره ، كما صرح به في قوله : {
لتبين للناس ما نزل إليهم } ، وفي قوله : {
ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون } فإتمام النعمة هي الرحمة . وقوله : {
ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر } أي لأجل الذكر ، كما قال : {
فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون } وقوله : {
فالملقيات ذكرا عذرا أو نذرا } للإعذار والإنذار .