[
أمور تتصل بتنقيح المناط ] وهاهنا أمور :
أحدها : أن تنقيح المناط ليس دالا على العلية بعينه ، بل هو دال على اشتراك الصورتين في الحكم ، بخلاف تخريج المناط فإنه لا بد فيه من تعيين العلة والدلالة على عليتها . فلا يكون الأول من طرق إثبات العلة بعينها أصلا ، بل هو من طرق إلحاق المسكوت عنه بالمنطوق . قاله
الأصفهاني في " شرح المحصول " .
الثاني : ذكر بعض الجدليين أن تنقيح المناط لا يكون من قبيل المؤثر ، لأن الظاهر لا يستقر بالدلالة على كونه علة ، بل ينضم إليه دليل الحذف . والصحيح أنه من قبيل المؤثر . واختاره
الشريف في جدله ، لأن دليل الحذف إنما أفادنا كون الحذف غير مراد ، فأما كون الباقي مرادا فإنما استفدناه من الظاهر فكان مؤثرا إلا أنه دون المؤثر في الرتبة .
[ ص: 326 ]
الثالث : أن
الإمام فخر الدين زعم أن هذا المسلك هو مسلك السبر والتقسيم ، فلا يحسن عده نوعا آخر ، وليس كما قال ، بل الفرق بينهما أن الحصر في دلالة السبر لتعيين العلة إما استقلالا أو اعتبارا . وفي نفي الفارق لتعيين الفارق وإبطاله ، لا لتعيين العلة ، بل هو نقيض قياس العلة ، لأن القياس هناك عين جامعا بين الفرع والأصل ، وعين هنا الفارق بينهما
تنبيه :
عد صاحب " المقترح " من المسالك ( نفي الفارق ) بأن يبين أن الفرع لم يفارق الأصل إلا فيما لا يؤثر ، فيلزم اشتراكهما في المؤثر ، كالسراية في الأمة ، قياسا على العبد . وهو عجيب ، فإنه لا يدل على أن الوصف المعين علة ، وإنما يدل على أن علة الأصل من حيث الجملة متحققة في الفرع من غير تعيين ، ولهذا لم يعده أحد من الجدليين من مسالك التعليل . وهو قريب من ( السبر ) ، إلا أنه في السبر يبطل الجمع إلا واحدا . وفي نفي الفارق يبطل واحد فتتعين العلة بين الباقي ، والباقي موجود في الفرع ، فيلزم اشتماله على العلة ثم على أصله . ولا بد فيه من تفصيل : فإن كانت مقدماته قطعية فهو صحيح ، أو ظنية لم يصح ، لأن القطع بتحقيق المناط في الفرع لم يحصل ، وهو شرط عنده
وعد
الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني من طرق العلة أن لا يجد الدليل على عدم علية الوصف ، فقال : ليس على القائس إذا لم يجد شيئا مما قدمناه إلا أن يعرض العلة التي استنبطها على مبطلات التعليل ، فإن لم يجد قادحا ، وعرضها على أصول الشريعة فلم يجد فيها ما ينافي علته ، فيحكم بسلامة العلة حينئذ . وأطنب
nindex.php?page=showalam&ids=11939القاضي أبو بكر في تغليطه ، وقال : هذا باطل لا أصل
[ ص: 327 ] له ، وقصاراه الاكتفاء بدعوى مجردة ، والاكتفاء على صحة العلة بعدم الدليل على فسادها ، فلم ينكر على القائل أنها تفسد بعدم الدلالة على صحتها . فإن قال : عدم دلالة الفساد دلالة صحتها ، قيل : عدم الدلالة على صحتها دلالة على فسادها . فتقابل القولان وتجدد دعوى الخصم .
وقد عد بعضهم من طرق العلة أن يقال : هذا الوصف على تقدير عدم عليته لا يأتي معه ذلك ، فوجب أن يكون علة ليمكن الإتيان معه بالمأمور به ، وهو دور ، لأن تأتي القياس يتوقف على ثبوت العلة ، فلو أثبتنا العلة به لتوقف ثبوت العلة عليه ولزم الدور .