واختلفوا في أنه
هل يجب على المعترض إبداء سند القول بالموجب أم لا ؟ فقيل : يجب لقربه إلى ضبط الكلام وصونه عن الخبط ، وإلا فقد يقول بالموجب على سبيل العناد . وقيل : لا يجب ، لأنه وفى بما عليه ، وعلى المستدل الجواب وهو أعرف بمأخذ مذهبه ، فيصدق فيما يقوله لغيره من الأخبار . قال
الآمدي : وهو المختار .
ثم هو إما أن يرد من المعترض دفعا عن مذهبه ، أو إبطالا لمذهب المستدل باستيفاء الخلاف مع تسليم نقيض دليله ، وذلك أن الحكم المرتب على دليل المستدل إما أن يكون إبطال مدرك الخصم إثبات مذهبه هو أو لا ؟ فإن كان الأول فالقول بالموجب يكون من المعترض دفعا عن مأخذه لئلا يفسد ، وإن كان الثاني كان إبطالا لمذهب المستدل ، لأنهما كالمتحاربين كل منهم يقصد الدفع عن نفسه وتعطيل صاحبه .
[ ص: 378 ] فالأول كقولهم في إيجاب الزكاة في الخيل : يسابق عليها فتجب فيها الزكاة ، كالإبل . فيقول : مسلم في زكاة التجارة ، والنزاع إنما هو في زكاة العين . ودليلكم إنما يقتضي وجوب الزكاة في الجملة .
والثاني : كقولنا في إيجاب القصاص في المثقل : المتفاوت في الوسيلة لا يمنع القصاص ، كالتفاوت في المتوسل إليه وهو القتل ، فإنه لو ذبحه أو ضرب عنقه أو طعنه لم يمنع القصاص . وهذا فيه إبطال مذهب الخصم ، إذ الحنفي يرى أن التفاوت في الآلة يمنع القصاص فيقول الحنفي : تسليم التفاوت في الآلة لا يمنع ، لكن لا يلزم من إبطال المنع للقصاص ثبوته ، بل إنما يلزم ثبوته من وجود مقتضيه وهو السبب الصالح لإثباته ، والنزاع فيه . وجوابه بأن يبين المستدل لزوم الحكم محل النزاع بوجود نقيضه بما ذكر في دليله إن أمكن مثل أن يقول في المثالين المذكورين : يلزم من كون التفاوت في الآلة لا يمنع القصاص وجود مقتضى القصاص ، بناء على أن وجود المانع وعدمه قيام المقتضي ، إذ لا يكون الوصف تابعا بالفعل إلا لمعارضة المقتضي ، وذلك يستدعي وجوده .
أو يبين المستدل أن النزاع إنما هو فيما يعرض له بإقرار أو اعتراض من المعترض بدليل . مثل أن يقول : إنما فرضنا الكلام في صحة بيع الغائب ، لا في ثبوت خيار الرؤية ، ويستدل على ذلك .