مسألة
قال
إمام الحرمين في " النهاية " ، في باب العيب في المنكوحة :
الفرق نوعان : ( أحدهما ) يقع بين مسألتين . و ( الثاني ) يقع في موضعين ومأخذين .
فما ثبت بين مسألتين يثبت وينتفي وينعكس ، وما يقع بين مأخذين يبين مأخذ كل جهة . ثم ذلك يوجب الانفصال بنفيين وإثباتين ( انتهى ) .
وهذا يحتاج إلى إيضاح ، ومعناه - كما قاله بعضهم : أن الفرع الواقع بين مسألتين هو مذكور في كتاب القياس ، لأن القائس جمع بين أصل وفرع بعلة ، والفارق فرق بينهم بعلة أخرى يثبت الحكم في الأصل بثبوتها ، وينتفي في الفرع بانتفائها . وهذا معنى الاطراد والانعكاس ، واقتصروا في كتاب القياس على هذا النوع ، لأنه المحتاج إليه في جواب القياس ، وكل من العلة واقتضائها الحكم معلوم ، وإنما النظر في وجودها في ذلك المحل وعدمها ، هو تصديق مسبوق بتصور .
والنوع الثاني هو الواقع بين حقيقتين ليميز بينهما ويبين اللبس عمن يتوهم
[ ص: 392 ] أنهما حقيقة واحدة ، أو بين انتفائها لحكمين مختلفين ليتميز ذلك وينتفي اللبس عمن يتوهم أن مأخذ الحكمين واحد ، وأن انتفاء الحقيقتين واحد ، وهو يوجب الانفصال بنفيين وإثباتين ، وإنه حيث انتفى ينتفي الحكم وحيث . ثبت يثبت الحكم ، هو مطرد منعكس كالنوع الأول ، وهذا كثير في الفقه من أوله إلى آخره ، وهو أكثر وأنفع من الأول ، فإنه به تتميز الحقائق والمآخذ ويفهم ترتيب الفقه عليها .
ومن هذا : الفرق بين حقيقة انفساخ النكاح في الردة وفسخه بالعيوب ، فيعلم أنهما حقيقتان متغايرتان ، لأن الأول من طارئ غير مستند إلى أمر مقارن ، والثاني مستند إلى مقارن . والفرق بين ردة الزوج وردة الزوجة ، حيث كانت ردة منتظرة بينهما بطلاقه ، وردتها حيث كانت هي القاطعة كالرضاع فاختلف المأخذ . وهذا كثير ، وفيه صنف
nindex.php?page=showalam&ids=14048الشيخ أبو محمد الجويني كتاب " الجمع والفرق " .
والقدر المشترك بين النوعين هو الفرق بين شيئين . ومعناه : الفصل بينهما . فإن كان بين حقيقتين فهو النوع الأول . وإن كان بين محلين فهو النوع الثاني . والأول أنفع وأفقه . ويمكن رد الأول إلى الثاني وإدراجه في قول الفقهاء : الفرق أبدا معنى في إحدى الصورتين مفقود في الأخرى ، لأن النزاع لا بد أن يكون بين صورتين ، أعني في القياس . فالفارق إن نازع في حقيقة العلة أو في اقتضائها فهو النوع الأول ، وإذا تم له ما ادعاه ترتب عليه الفرق بين المسألتين ، لافتراقهما في ذلك المعنى . وإن سلم حقيقة العلة واقتضاءها ونازع في ثبوت الحكم والفرع بعلة أخرى فهو النوع الثاني . والمقصود بالفرق يحصل على التقديرين .