العاشر :
فساد الوضع
بأن لا يكون الدليل على الهيئة الصالحة لاعتباره في ترتيب الحكم ، كترتيب الحكم من وضع يقتضي ضده ، كالضيق من التوسع ، والتخفيف من التغليظ ، والإثبات من النفي ، كقولهم في النكاح بلفظ الهبة : لفظ ينعقد به غير النكاح ولا ينعقد به النكاح كلفظ الإجارة ، فإن كونه ينعقد به غير مناسب أن ينعقد هو به ، لا عدم الانعقاد
وكل فاسد الوضع فاسد الاعتبار ، ولا ينعكس . ومنهم من جعلهما
[ ص: 400 ] واحدا ، وهي طريقة
nindex.php?page=showalam&ids=11815الشيخ أبي إسحاق الشيرازي . وقال
ابن برهان : هما سيان من حيث المعنى لكن الفقهاء فرقوا بينهما وقالوا : فساد الوضع هو أن يعلق على العلة ضد ما يقتضيه . وفساد الاعتبار هو أن يعلق على العلة خلاف ما يقتضيه . ( انتهى ) . وقيل : فساد الوضع هو إظهار كون الوصف ملائما لنقيض الحكم بالإجماع مع اتحاد الجهة . ومنه الاحتراز عن تعدد الجهات لتنزلها منزلة تعدد الأوصاف ، وعن ترك حكم العلة بمجرد ملاءمة الوصف للنقيض دون دلالة الدليل ، إذ هو عند فرض اتحاد الجهة خروج عن فساد الوضع إلى القدح في المناسبة . وربما عبر عنه القاضي بتعليق ضد المقتضي . وقال
إلكيا : هو تقدم العلة على ما يجب تأخرها عنه ، كالجمع في محل فرق الشرع ، أو على العكس .
كما يقال للحنفية : جمعتم في محل فرق الشرع ، إذ قستم النفقة على السكنى في وجوبها للمبتوتة مع قوله تعالى : {
أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم } مطلقا ، وقوله : {
وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } ففرق وجمعتم .
وقد عد
القاضي هذا الاعتراض من القطعيات . وقال
أبو زيد : هو يجري من الشهادة مجرى فساد الأداء . قال
ابن السمعاني : ويمكن إيراده على الطرود ، ويضطر به المعلل إلى إظهار التأثير وإذا ظهر التأثير بطل السؤال وهذا طريق سلكه كثير من أصحابنا المتقدمين ، وأورده كثير من الأصوليين . ويرد عنده اختلاف موضوع الأصل والفرع ، وذلك مثل أن يكون الأصل مبنيا على التخفيف ، كالتيمم والمسح على الخف ، ويكون الفرع مبنيا على التغليظ ، كوجوب غسل الرجلين ، ويروم القائس أن يثبت
[ ص: 401 ] في الفرع حكما مخففا ، وقد بان من اختلاف موضوع العلة والحكم مما ذكرنا .
وهو مثل النقض ، لأنه إنما يستفيد به طرده بعد صحة علته ، كالشهادة إنما يشتغل بتعديل الشهادة بعد صحة الأداء .
وهو أقوى من النقض ، لأن الوضع إذا فسد لم يبق إلا الانتقال . والنقض يمكن الاحتراز عنه .
قال
ابن السمعاني : وذكر
أبو زيد وغيره أن هذا السؤال لا يرد إلا على الطرد ، والطرد ليس بحجة . وأما العلة التي ظهر تأثيرها فلا يرد هذا السؤال . ونحن نقول : نعم ، وإن كان الطرد ليس بحجة ، وإظهار التأثير لا بد منه ، ولكن السؤال يبقى ، وهو أن يقول السائل : لا يجوز أن يدل الدليل على صحة مثل هذه العلة ، أو يقول : لا يجوز أن يظهر له تأثير ، فلا بد في الجواب من نقل الكلام إلى ذلك وبأن الدليل قد قام على صحة هذه العلة . فبهذا الوجه صححنا السؤال . وقال
الأصفهاني في " شرح المحصول " : فساد الوضع عبارة عن كون الدليل دالا على محل النزاع ، وهو مقبول عند المتقدمين . ومنعه المتأخرون ، إذ لا توجه له ، لكونه خارجا عن المنع والمعارضة .