تنبيهات
الأول : ما ذكرناه من
تغاير فساد الوضع وفساد الاعتبار ، وأن الأول بيان مناسبة الوصف لنقيض الحكم ، والثاني استعمال القياس على مناقضة النص أو الإجماع فهو أعم وهو اصطلاح المتأخرين . وأما المتقدمون فعندهم أنهما مترادفان . ذكره
ابن المنير ثم قال :
وعندي أنهما ليس باعتراضين زائدين ، فإن المناسبة للنقيض إن كان المعترض رد الاستشهاد إلى أصل
[ ص: 402 ] المستدل فهو ( قلب ) ، وإن رده لأصل آخر فإن كانت جهتا المناسبة للنقيض مختلفين فهو ( معارضة ) ، وإن اتحدت الجهة فهو ( قدح في المناسبة ) . وإن لم يرد المعترض إلى أصل والجهة مختلفة فهو ( معارضة لمعاني الأصول بالمرسلات ) فلا تسمع . وأما فساد الاعتبار فحاصله ( معارضة ) . فإن كان التوقيف أقوى أو تساويا تمت المعارضة ، أو أضعف قدم ، على طريقة
الإمام .
الثاني : نقل خلاف في استعمال السؤال على موافقة النص ، هل يكون فساد وضع أم لا ؟ قال
ابن المنير : فلا حاصل عندي لهذا الخلاف ، فلا يتصور الجمع بين دليلين إلا على تفسير واحد ، وهو أن يكون الدليل أحدهما ، أما إذا سبق إلى الفكر الظن بأحدهما استحال أن تظن بالآخر ظنا آخر مجامعا للأولى . انتهى . وهذا خلاف طريقة الناس المشهورة وأول إطلاق العلماء باجتماع العلة على أنه إذا انفرد واحد كفى في حصول الغرض .
الثالث : قد يورد هذا السؤال على قواعد أصحابنا في
قياس العامد على الناسي في ترك التسمية ، وفي
جبر الصلاة بالسجود ، وفي قضائها عند الترك ، وفي
إيجاب الكفارة في اليمين الغموس وغير ذلك . فيقال : كيف يصح الإلحاق مع أن الشرع عذر الناسي ورفع التكليف عنه ، ولم يعذر العامد ، فلا يلزم من إعذار الناسي إعذار العامد . وقد كثر التشنيع علينا في هذا ، ويمكن الجواب بأن العمد يفارق النسيان فيما يتعلق بالإثم وعدمه . فأما ما يتعلق بالصحة والبطلان ، أو التحليل والتحريم ، والإيجاب وعدمه فلا فرق بينهما ، بدليل أن من ترك الطهارة عمدا فصلاته باطلة ، وكذلك ناسيا . وكذلك ترك النية في الصلاة والصوم وغيرهما من المأمورات . وإنما يختلف حكمها في المنهيات .
وقد يورد أيضا قياس المخطئ على العامد في إيجاب كفارة الصيد ونحوه . وجوابه أن فيه تنبيها على وجوبها فيما دون ذلك ، كقوله تعالى :
[ ص: 403 ] {
فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة } الآية فذكر الجلد في إحصانهن الذي هو أعلى ليبين أن ما دون ذلك يكفي فيه الجلد . وقيل : فيه وجهان : ( أحدهما ) أن التنصيص على العمد لينبه على قتل الآدمي عمدا في إيجاب الكفارة ، والتنصيص في قتل الآدمي على الخطأ لينبه على خطأ العمد . و ( الثاني ) أنه إنما ذكر العمد لأنه رتب عليه العقوبة في العود فقال : {
ومن عاد فينتقم الله منه } ولا يمكن العقوبة إلا في حق العامد .