[ ص: 434 ] فصل : ذكروا أن
جميع الأسئلة ترجع إلى المنع والمعارضة ، لأنه متى حصل الجواب عن المنع والمعارضة تم الدليل وحصل الغرض من إثبات المدعى ولم يبق للمعترض مجال ، فيكون ما سواها من الأسئلة باطلا فلا يسمع ، لأنه لا يحصل الجواب عن جميع المنوع إلا بإقامة الدليل على جميع المقدمات وبيان لزوم الحكم فيها وإلا لاتجه المنع . وكذلك لا يحصل الجواب عن المعارضة إلا ببيان انتفاء المعارض عن كلها وبيان كيفية رجوعها إلى ذلك : أما الاستفسار فلأن الكلام إذا كان محتملا لا يحصل غرض المستدل إلا بتفسيره ، فالمطالبة بتفسيره تستلزم منع تحقيق الوصف ومنع لزوم الحكم عنه ، فهو راجع إلى المنع . وأما التقسيم فهو راجع إلى المنع أو المعارضة ، لأن الكلام إذا كان محتملا لأمرين فيضطره المنع إلى اختيار القسمين ، وحينئذ يتجه عليه المنع أو المعارضة . وأما المطالبة فهي مع لزوم الحكم عن الوصف فهي داخلة في النقض .
وأما النقض فمعارضة ، لأنه يبطل العلة . وأما الفرق فكذلك ، لأنه ما يكون بدا معنى في الأصل أو في الفرع عن المعنى الذي علل به المستدل . وأما الكسر فهو نوع من النقض ، والنقض معارضة . وأما القول بالموجب فهو راجع إلى المنع ، لأنه عبارة عن تسليم الدليل مع استيفاء النزاع في الحكم ، وذلك منع لزوم الحكم مما ادعاه المستدل
[ ص: 435 ] وأما القلب فمعارضة في الحكم ، وقيل : إنه راجع إلى المنع . وأما عدم التأثير فمعارضة في المقدمة ، وذلك لأن المستدل إذا
احتج بالقياس فقال له المعترض : ما ذكرته من المعنى الجامع غير صالح للعلية لثبوت الحكم بدونه كان ذلك معارضة في المقدمة ، لأن ثبوت علية الوصف الجامع مقدمة في القياس . وحاصله راجع إلى القدح في كون الجامع علة ببيان ثبوت الحكم بدون جزء من أجزاء العلة ، وهو في الحقيقة معارضة في العلة ، لأن المستدل يدعي كون المجموع المركب علة ، والمعترض لعدم التأثير يبين كون بعض المجموع علة لا ذلك المجموع كله ، وذلك معارضة للكل بالبعض ، وهو لطيف غامض .
وأما الترجيح فهو معارضة في حكم المسألة ، وكيفية توجيهه أن يقال : موجب ما ذكرنا من الدليل راجح على ما ذكرتم ويبينه بطريقه ، فلو لم يثبت موجبه للزم الترك بالدليل الراجح ، وإنه ممتنع . وللخصم أن يمنع أنه غير الأول ، لأنه شرط الغير أن يكون مغايرا له ذاتا ، بمعنى أنه يمكن وجود كل منهما بدون الآخر ، احترازا من المطلق والمقيد ، فإن كان من المستدل فهو معارضته لما اعترض به المعترض ، كان المعارضة عبارة عن إقامة دليل يوقف به دليل خصمه . والترجيح كذلك . لأنه يقتضي ثبوت الراجح ، فيدفع ما أبداه المعترض لكونه مرجوحا . وأما فساد الوضع فهو منع لزوم الحكم عن الدليل ، لأن
ثبوت الحكم بالقياس بشرط أن لا يكون النص موجودا لكن النص موجود . وأما فساد الاعتبار فيرجع إلى المنع ، لأنه مع
ثبوت القياس على مخالفة النص وقد وجد النص واعتبار القياس على وجوده اعتبار فاسد ، فلا يترتب عليه الحكم ، فإذا فساد الاعتبار راجع إلى منع لزوم الحكم ، وأما دعوى
[ ص: 436 ] كون
محل النزاع لا يجوز فيه القياس فهو راجع إلى المعارضة في العلة أو في الحكم . وإذا علمت رجوع جميع الاعتراضات إلى المنع والمعارضة فاعلم أن بعضهم زعم أن المعارضة راجعة إلى المنع .
فائدة :
قال بعضهم : حال المتناظرين ، أو الناظر مع نفسه ، في طلب وجه الحكم الشرعي كحال الخصمين بين يدي الحاكم ، فالمستدل كالمدعي ، والسائل كالمدعى عليه ، والحكم المطلوب كالحق المدعى به . وأصل القياس في الشاهد . وعلة الأصل كنطق الشاهد بأداء شهادته . والشرع الذي هو الكتاب والسنة الحاكم الذي ينفذ الحكم أو يرد ، بالتصديق أو بالتكذيب . ورد السائل القياس لوجود النظر كتزييف الشهود وردهم بأمر لازم لا خلاف فيه . والممانعة في حكم الأصل ووصفه كإنكار حضور الشهود . والممانعة في وجود علة الأصل كإنكار شهادتهم ، ومثله إنكار وجود العلة في الفرع ، والوضع الفاسد كتنافي الشهادة وتوافقها . والمطالبة بالدليل على صحة العلة كتكليف المدعي تعديل الشهود . والنقض كإظهار كذب الشهود في مثل ما شهدوا به عليه . والقول بالموجب كتفسير الشهادة بما يحتملها ليخرج من عهدتها بالشيء المدعى به . والمعارضة كمقابلة الشهود ببينة تشهد بخلافها ، فتتهافت الشهادتان ، وكلها مفسدة للقياس ، وإذا سلم منها كان معمولا به .