صفحة جزء
[ ص: 448 ] فصل في الاحتجاج بالمختلف فيه بين الخصمين

قال الصيرفي : يصلح لمثبتي الخبر والقياس الاحتجاج به على مخالفيهم في المسائل التي دليلها من هذين الوجهين . فإن قال قائل : إني أخالفك في الخبر والقياس ، قيل له : إن أنت خالفتني فيهما فوجه دلالتي منه كذا ، فإن خالفتني فيه بينته عليك ، وإن سلمته فحجتي بينة ، وليس علي أن أدلك على الأواخر من غير إثبات الوسائط . فإما أن يسلم أو يشك في الأصل ، فهذا موضع المطالبة على الدليل بالدليل ، إذ قد كان الدليل يسوغ فيه الخلاف . وهذا يفسر قول بعض الجدليين إنه إذا سئل عن الدليل قال : الدليل لا يحتاج إلى الدليل . ولو ساغ ذلك لأدى إلى ما لا نهاية له . فيقال له : لا نسلم صيرورته إلى ما لا نهاية له ، لأن الأسئلة منحصرة وشواهد العقل تمنعه . ولهذا لما زعم الكفار أن هذا قول البشر وأساطير الأولين ردهم الله تعالى إلى ما في عقولهم ، أي : أيها البلغاء الفصحاء إن كان كما تقولون فأتوا بسورة من مثله فإذا عجزتم مع ما اجتمع فيكم من الصفة فاعلموا أنه ليس من عند الأمي الذي نشأ بينكم ، وأنه من عند الله . وقال القاضي أبو الطيب : لا يجوز لأحد أن يلزم خصمه ما لا يقول به إلا النقض ، فأما غيره ، كدليل الخطاب أو القياس أو المرسل ونحوه ، فلأنه استشهاد الخصوم على صواب مذهبهم بخطأ غيرهم .

قال الصيرفي : رأيت جماعة من الحذاق يسمون هذا الاعتلال حدا ، وهو قولهم : قلت كذا ولم أقل كذا كما قلت ، وهذا القول غير مرضي عند المخالف . وحاصله : أنه استدل على صواب قوله في ترك ما تركه واختيار [ ص: 449 ] ما اختاره بخطأ خصمه في ترك ما يدعيه مع اختياره لنظيره . مثاله : لو سأل الشافعي مالكيا في المصلي تطوعا إذا قطعه لعذر ولم يعد ، أو مختارا أعاد ، وقد قلت : من دخل في صلاة تطوع فقد وجبت عليه ، وقد سويت في الواجب من الفرض بين من اختار الخروج من الصلاة الواجبة ومن اضطر في الإعادة ، فلم لا جعلت الإعادة فيهما سواء ؟ فيقول له : قلت في هذا كما قلت أنت في صلاة التطوع والفرض : لا يجوز إلا بطهارة وأن من أحدث في الواجب أعاد ومن أحدث في التطوع لم يعد . فهذا الاعتلال من المالكي خطأ . لأن الواجب عنده الإعادة فيهما فليقله ، وهو لا يقول .

التالي السابق


الخدمات العلمية