[ ص: 450 ] فصل في
السؤال والجواب
قال
الصيرفي : السؤال إما استفهام مجرد وهو الاستخبار عن المذهب أو العلة ، وإما استفهام عن الدلالة ، أي التماس وجه دلالة البرهان ثم المطالبة بنفوذ الدليل وجريانه . وسبيل الجواب : هكذا أختار : مجرد ، ثم الاعتلال ، ثم طرد الدليل . ثم السائل في الابتداء إما أن يكون غير عالم بمذهب من يسأله أو يكون عالما به . ثم إما أن لا يعلم صحته فسؤاله لا معنى له . وإما أن يعلم فسؤاله راجع إلى الدليل . والحاصل أن من أنكر الأصل الذي يستشهد به المجيب فسؤاله عنه أولى ، لأن الذي أحوجه إلى المسألة الخلاف ، فإذا كان الخلاف في الشاهد فالسؤال عنه أولى .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12918أبو بكر : وينبغي للسائل أن لا يسأل المناظرة إلا بعد فهم ما يسأل عنه . وكذا لا ينبغي للمجيب أن يجيب عن شيء حتى يعلمه ، وبسبب هذا يقع الخبط في المناظرات . وليس للمجيب أن يرجع على السائل بالجواب قبل أن يجيب هو أو يعترف بالعجز عنه أو يضرب عنه . فإن سأل السائل الجواب أجاب . فإن قيل له : هذا يلزمك في مذهبك كما سألت ، فإن هذا ربما فعل للحيلة ، فالوجه أن يقول السائل : عن حجتك لنفسك ثم إن شئت فعد بعد ذلك سائلا ، فإما أن تجيب أو تعترف بأن لا جواب . ثم تقبل سؤاله إن شئت . وإن كان إذا سئلت عن شيء يرجع على خصمك فقل : إنما أجيبك عن هذا بشرط أن تصبر لقلبنا عليك السؤال ، فإن سؤالك راجع عليك فهو كما تسأل عن نفسك . ولا يترك الجواب عما يسأل ويرجع سائلا إلا أحد رجلين : إما جاهل
[ ص: 451 ] يجد السؤال والجواب فلا يناظر ، أو يقدر أن يحتال على خصمه من أن يظهر الانقطاع أو العجز عن الجواب . فإن لم يقدر على ذلك فهو غبي . وليحذر المجيب تكرار اللفظ المختلف على المعنى الواحد ، فربما ظنه بعضهم زيادة .
( قال ) : وما رأيت أحسن من صبر الخصم على الخصم حتى إذا فرغ من هذيانه قال له : لم أفهم ما كنت فيه فأعد علي كلامك في مهل وأرني موضع النكتة لأفهمها عنك وأفهمك الجواب ، فهذا أقطع من الحديد للخصوم . وإياك أن تستصغر خصما ، فإن استصغرته فالوجه أن لا تكلمه ، فلربما هجم من استصغاره الانقطاع لقلة التحفظ منه والاهتمام به ، فقد رأيت ذلك مشاهدة . وإن كنت في محفل فيه عامة فمتى ذهبت تراعيهم بطل ما يحتاج إلى تدبره وتفهمه ، ولا يغرنك ميل بعض الناس إلى الخصم ، أو تفضيل العامة لصياح الخصم فالعمل على أهل التمييز . ومتى سبقت منك كلمة ليست بصواب فلا تقف عليها واعترف بها ، فإنها سبق لسان ، فإنك إن أخذت في تصحيحها ذهب عنك صحيح الكلام . واعترف بالحق إذا وضح ، فإن لم يضح فالزم بالبرهان ، فإنه عسر جدا . وامنع خصمك من الإقبال على غيرك إذا كان مناظرا واستعمل مثله معه ولا يكن همك إلا ما قام به مذهبك ولا تشتغل بسواه . ولا يعطفنك أناس من خاطر ، فربما بان وجاء وأنت في حال الفكر وهذا علامة الطبع الجيد . ولا تتكلم في موضع العصبية عليك ، أو في مجلس تخاف منه صاحبه فإنه يميت الفكر .
[ ص: 452 ] ولا تخاطب من لا يفهم عنك إلا أن يكون مرشدا وهذه سياسة فاستوص بها . ( انتهى ) .
وعن
ابن سريج : كل خاطر يجيئك بعد المناظرة فاحبس عليه ، حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح في " الرحلة " وكان
الإمام محمد بن يحيى إذا أفحمه خصمه في المناظرة قال : ما ألزمت لازم ، فأنا فيه ناظر {
وفوق كل ذي علم عليم }
فائدة :
إذا قلت للمستدل : " قولك لا يصح " احتمل معنيين : ( أحدهما ) الحكم بعدم الصحة و ( الثاني ) أنك لا تحكم بالصحة . وفرق بين الحكم بعدم الشيء وبين عدم الحكم بالشيء ، لأن الحكم بالعدم لا يكون إلا من عالم بذلك العدم ، وعدم الحكم بالشيء يكون من الشاك في ذلك الشيء والمتردد فيه . فتفطن بمعاني العبارات .