نعم ، المشكل على هذا القول أن القياس نفسه حجة ، فلا معنى حينئذ لاعتبار قول الصحابي فيه ، ويؤول حينئذ هذا إلى القول بأنه ليس بحجة على انفراده . ولهذا حكى
ابن السمعاني وجهين لأصحابنا أن الحجة في القياس ، أو في قوله ، بعد أن قطع أنه حجة إذا وافق القياس . ولأجل هذا الإشكال قال
ابن القطان : أجاب أصحابنا بجوابين : ( أحدهما ) : أن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أراد بالقياس أن يكون في المسألة قياسان ، فيكون قول الصحابة مع أحد القياسين أولى من القياس المجرد . قال : وهذا كالبراءة من العيوب ، فإنه اجتذبه قياسان : أحدهما يشبه .
وذلك أن البراءة إنما تجوز فيما علمه ، فأما البراءة مما لا يعلمه فممتنعة . وهذا الذي يوجبه القياس على غير الحيوان أن يوجب قياسا آخر ، وهو أن الحيوان مخصوص بما سواه من حيث يغتذى بالصحة والسقم ويخفي عيوبه ، صار إلى تقليد
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان مع هذا القياس . والثاني : كان
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي يتحرج أن يقال عنه : إنه لا يقول بقول الصحابة فاستحسن العبارة فقال بقول الصحابي إذا كان معه القياس . انتهى . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13428ابن فورك : إن قيل : كيف قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي إنه حجة إذا كان معه
[ ص: 62 ] قياس ، والقياس في نفسه حجة وحده ؟ قيل : اجتذب المسألة وجهان من القياس قوي وضعيف ، فقوي القياس الضعيف بقول
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان . فإن قيل : كيف ترك أقوى القياسين بقول صحابي واحد فإنه لو انفرد القياسان عن قول الصحابي كان إما أن يتساويا فيسقطا ، أو يصح أحدهما فيبطل الآخر . وإن كان قول الصحابي مع الصحيح فهو تأكيد له . قيل له : إن
قول الصحابي إذا لم يعلم له مخالف له قوة على قول الصحابي الذي ظهر خلافه كما نقول : إن قول الصحابي إذا انتشر قوله ولم يعلم له مخالف أقوى من قول من لم ينشر ولم يعلم له مخالف فكان أدون هذه المنازل إذا عضده بعض الأشياء ملحقة بمنزلة الشبه وإن كان ذلك الشبه لو انفرد لم يكن حجة . فأما أولى القياسين فلا يسلم من معارضة ما تبطل معه دلالته وهو قول الصحابي الذي لا مخالف له مقترنا بالشبه الذي ذكرناه . وقال
الصيرفي في الدلائل " : معنى قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الجديد أنه ليس بحجة ، أنه إذا
تجاذب المسألة أصلان محتملان يوافق أحدهما قول الصحابي ، فيكون الدليل الذي معه قول الصحابي أولى في هذا على التقوية وأنه أقوى المذهبين فلا يغلط على
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . هذا وجه قوله : إن تقليده لا يلزم إلا أن يوجد في الكتاب أو السنة ما يخالفه ويعضده ضرب من القياس . وعلى هذا فهو مقو للقياس ومغلب له كما يغلب بكثرة الأشباه . وظاهر نص الرسالة المذكورة يقتضي تساوي القياسين ، لأنه لم يفرق بين قياس وقياس .
نعم ، قوله : ولا شيئا في معناه يحكم له بحكمه ظاهر في
تقديم القياس الجلي على قول الصحابي ، وهو مستند
إمام الحرمين في قوله : إن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي قال في بعض أقواله : القياس الجلي . ولما حكى
الروياني في البحر " القولين الأولين قال : ومن أصحابنا من قال : القولان إذا لم يكن معه قياس أصلا ، فإن كان مع قوله قياس ضعيف فقوله معه يقدم على القياس القوي وهو اختيار
القفال وجماعة وهو ضعيف عندي ، لأنه لا يجب الرجوع لقول الصحابي بانفراده ، وكذلك القياس الضعيف ، فكيف إذا اجتمع .
[ ص: 63 ] ضعيفان غلبا القوي ؟ انتهى .
وما حكاه عن
القفال حكاه الشيخ في اللمع " عن
الصيرفي ، ثم خطأه ، وحكاه
ابن الصباغ في العدة " عن حكاية بعض الأصحاب عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنه إذا
كان مع قول الصحابي قياس ضعيف فهو أولى من القياس الصحيح قولا واحدا ، ثم ضعفه
ابن الصباغ .
وحكاه
الماوردي في كتاب الأقضية من الحاوي " عن القديم . لكنه قال : ذلك في القياس الخفي مع الجلي ، وأن الخفي يقدم على الجلي إذا كان مع الأول قول الصحابي . قال : ثم رجع
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عنه في الجديد ، وقال : العمل بالقياس الجلي أولى . وقال
الماوردي أيضا في الحاوي " في مسألة
البيع بشرط البراءة من العيوب : مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الجديد أن قياس التقريب إذا انضم إلى قول الصحابي أولى من قياس التحقيق . وكذلك قال
أبو الحسن الجوري في شرح مختصر
nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني " .
قلت : وهو ظاهر إطلاقه في الرسالة " . وقال
ابن كج في كتابه : إذا
قال الصحابي قولا وعارضه القياس القوي نظر : فإن كان مع الصحابي قياس خفي كان المصير إلى قول الصحابي أولى ، لقضية
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان في بيع اللحم بالحيوان . وإن كان قول الصحابي فقط وقد عارضه القياس فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في القديم : إن قوله يقدم ، لعلمه بظواهر الكتاب ، وقال في الجديد : أولى ، ولأن الله أمر بالرجوع عند التنازع إلى الكتاب ، ولأن الصحابي يجوز عليه السهو . الرابع : أنه حجة إذا خالف القياس . لأنه لا محمل له إلا التوقف ، وذلك أن القياس والتحكم في دين الله باطل فيعلم أنه ما قاله إلا توقيفا . قال
ابن برهان في الوجيز " : وهذا هو الحق المبين . قال : ومسائل الإمامين
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي - رضي الله عنهما - تدل عليه . فإن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي غلظ الدية بالأسباب الثلاثة بأقضية الصحابة ، وقدر
دية المجوسي بقول
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبا حنيفة قدر
الجعل في رد الآبق بأربعين درهما لأثر
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود .
[ ص: 64 ] وقال
الإبياري في شرحه " هو أشبه المذاهب . وقال
ابن المنير : هذا المذهب لا يختص الصحابي ، فكل عالم عدل إذا خالف القياس ظن به المخالفة للتوقيف . والظاهر إصابته في شروطه .
قلت : وقد طرده
ابن السمعاني فيه كما سيأتي . ثم قال : ثم هو لا يختص غير الصحابي إذا كان المخالف صحابيا ، فيجب إذا على الصحابي الاقتداء بالصحابي المخالف للقياس . والحاصل عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أقوال : أحدها : أنه حجة مقدمة على القياس ، كما نص عليه في اختلافه مع
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، وهو من الجديد . والثاني : أنه ليس بحجة مطلقا ، وهو المشهور بين الأصحاب أنه الجديد . والثالث : أنه حجة إذا انضم إليه قياس ، فيقدم حينئذ على قياس ليس معه قول صحابي ، كما أشار إليه في الرسالة " . ثم ظاهر كلامه فيها أن يكون القياسان متساويين .
وتقدم في نقل
إمام الحرمين عنه في قول تخصيص القياس الجلي بتقديمه على قول الصحابي . فعلى هذا يكون المراد ب " القياس يعتضد بقول الصحابي " القياس الخفي ، ويكون فيما نقله الإمام قول رابع في المسألة من أصلها . وتقدم أيضا عن
الماوردي : إذا اعتضد بقياس التقريب فهو أولى من قياس التحقيق . وعن حكاية
ابن الصلاح : إذا اعتضد بقياس ضعيف فهو أولى من القياس القوي ، فيتخرج من هذا قولان
nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي إن جعلنا القياس الضعيف أعم من قياس التقريب وغيره ، وإلا فقول خامس . وخص
الماوردي القولين الأولين بما إذا كان موافقا لقياس جلي ، فإن لم يكن معه قياس جلي قدم
[ ص: 65 ] القياس الجلي قطعا وخص القديم بما إذا لم يظهر له مخالف ، فإن ظهر خلافه من صحابي آخر فلا يكون حجة على القديم .
وفي كتاب الرضاع ، في الكلام على اعتبار العدد ، حكاية حكاها
الماوردي تقتضي أن قول
الشيخين بخصوصهما حجة ، فإنه حكى عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنه قال : من سألني عن شيء أجبته من القرآن ، فسأله رجل عن
محرم قتل زنبورا . فقال : لا شيء عليه ، فقال : أين هذا في كتاب الله ؟ فذكر قوله تعالى : {
وما آتاكم الرسول فخذوه } وقوله عليه السلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13685اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر } وقد سئل
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر عن محرم قتل زنبورا فقال : لا شيء عليه . قال
ابن الرفعة : فإن صحت هذه الحكاية عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي لزم منها أن يكون قول كل من
الشيخين عنده حجة . ومذهبه الجديد أنه ليس بحجة . انتهى . وقال
السنجي في أول شرح التلخيص " :
قول الواحد من الصحابة إذا انتشر ولم يعلم له مخالف وانقرض العصر عليه كان عندنا حجة مقطوعا بصحتها . وهل يسمى إجماعا ؟ على وجهين : فقيل : لا ، لقول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لا ينسب إلى ساكت قول . والصحيح من المذهب أنه إجماع مقطوع على الله بصحته وهو مذهب كافة
المتكلمين ، ولم يخالف فيه إلا الجعل ومن تابعه فقالوا : لا يكون حجة . قال : فأما إذا لم ينتشر ولم يعرف له مخالف
nindex.php?page=showalam&ids=13790فللشافعي فيه قولان : القديم أنه حجة ، والجديد أن القياس أولى منه
[ ص: 66 ] وقال في القواطع " : إذا لم ينتشر ولم يعرف له مخالف نظر : فإن كان موافقا للقياس فهو حجة . إلا أن أصحابنا اختلفوا : هل الحجة في القياس أو في قوله ؟ على وجهين : وأما إذا
خالف القياس أو كان مع الصحابي قياس خفي ، والجلي مخالف مثله ، فهذا موضع قولي
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ففي القديم : قول الصحابي أولى من القياس ، وفي الجديد : القياس أولى . وقال
السهيلي في أدب الجدل " : إن انتشر ورضوا به فهو حجة مقطوع بها ، وهل يسمى إجماعا ؟ وجهان . وإن انتشر ولم يعلم منهم الرضا به فوجهان .
وإن لم ينتشر فاختلف أصحابنا فيه على طريقين : ( إحداهما ) : أن المسألة على قولين : أحدهما : وهو الجديد - أنه ليس بحجة . و ( الثانية ) : أنه إن لن ينتشر في الباقين فهو حجة بلا خلاف ، وإنما الخلاف إذا عارضه قياس جلي فحينئذ قول خفي . انتهى . وقال
إلكيا : إن لم يعرف له مخالف فهو موضع الخلاف . فإذا اختلفوا فلا شك أنه لا حجة فيه . وقيل : يحتج بأقوالهم وإن اختلفت على تقدير اتباع قول الأعلم منهم ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في رسالته القديمة " ، لأنه جوز تقليد الصحابي وقال : إن اختلفوا أخذ بقول الأئمة أو بقول أعلمهم بذلك ، ورجحه على القياس المخالف له . قال
إلكيا : وإن لم يكن بد من تقليد الصحابة فالواجب أن لا يفصل بين أن يختلفوا أو لا ، لأن فقد معرفة الخلاف لا ينتهض إجماعا . .