الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      وفي جواز تقليد العالم من هو أعلم منه ، خلاف ، رأى محمد بن الحسن جوازه وإن لم ينقل عنه وجوب ذلك . قال : ثم مذهب الشافعي قديما وجديدا اتباع قضاء عمر - رضي الله عنه - في تقدير دية المجوسي بثمانمائة درهم ، وتغليظ الدية بالأسباب الثلاثة [ ص: 67 ] اتباعا لآثار الصحابة واختلف الأصحاب في سبب ذلك ، فقيل : لأن الواقعة اشتهرت وسكتوا وذلك دليل الإجماع . وقيل : لأنه يرى الاحتجاج بقول الصحابي إذا خالف القياس من حيث لا محمل له سوى التوقيف .

                                                      قال : ويظهر هذا في التابعي إذا علم مسالك الأحكام وكان مشهورا بالورع لا يميل إلى الأهواء ، إلا أن يلوح لنا في مجاري نظره فساد في أصل له عليه بنى ما بنى . ويخرج من هذا قول آخر أنه حجة إذا لم يكن مدركا بالقياس دون ما للقياس فيه مجال ، وهذا القول هو المختار . وبه تجمع نصوص الشافعي رضي الله عنه ، وهذا حكاه القاضي في " التقريب " والغزالي استنباطا من قول الشافعي في كتاب اختلاف الحديث " أنه روي عن علي - كرم الله وجهه - أنه صلى في ليلة ست ركعات ، كل ركعة بست سجدات ، ثم قال : إن ثبت ذلك عن علي قلت به ، فإنه لا مجال للقياس فيه ، فالظاهر أنه جعله توقيفا . هذا لفظه . قال القاضي : وهذا من قوله يدل على أنه كان يعتقد أن الصحابي إذا قال قولا ليس للاجتهاد فيه مدخل فإنه لا يقوله إلا سمعا وتوقيفا وأنه يجب اتباعه عليه ، لأنه لا يقول ذلك إلا عن خبر . انتهى .

                                                      لكن الغزالي جعله من تفاريع القديم . وهو مردود ، لأن اختلاف الحديث من الكتب الجديدة قطعا ، رواه عنه الربيع بن سليمان بمصر ، وبهذا جزم ابن الصباغ في كتاب الكامل في الخلاف " وقال إلكيا في التلويح " إنه الصحيح ، وكذا صاحب المحصول " في باب الأخبار . وعلى هذا ينزل كل ما وقع في الجديد من التصريح فيه بالتقليد ، كاتباعه الصديق في عدم قتل الراهب ، وتقليده عثمان في البراءة ، وعمر في أمهات الأولاد . قال في الأم " : إذا أصاب الرجل بمكة حماما من حمامها فعليه شاة ، اتباعا لعمر وعثمان وابن عباس وابن عمر وغيرهم . وقال في اختلاف الحديث " : أخذت بقول عمر في اليربوع والضبع حمل . وحكى في القديم هذا القول [ ص: 68 ] عن الكرخي ، واختاره البزدوي وابن الساعاتي وغيرهم من الحنفية . وهذا هو الذي يعبر عنه ابن الحاجب بقوله : إنه حجة إذا خالف القياس . نعم ، تصرفات الشافعي في الجديد تقتضي أن قوله حجة بشرطين : ( أحدهما ) : أن لا يكون للاجتهاد فيه مجال . ( الثاني ) : أن يرد في موافقة قوله نص ، وإن كان للاجتهاد فيه مجال كما فعل في مسائل الفرائض مقلدا زيدا فيها ، لقوله صلى الله عليه وسلم : { أفرضكم زيد } قال إمام الحرمين في النهاية " : اختار الشافعي أن يتبع مذهب زيد ولم يضع لذلك كتابا في الفرائض لعلمه بعلم الناس بمذهب زيد ، وإنما نص في مسائل متفرقة في الكتاب فجمعها المزني وضم إليها مذهب زيد في المسائل ، ولم يقل : " تحريت مذهب الشافعي " كقوله في أواخر كتب مضت ، فإن التحري اجتهاد ، ولا اجتهاد في النقل . وقد تحقق اتباع الشافعي زيدا ، وتردد قول الشافعي حيث تردد قول زيد ، وقرب مذهب زيد إلى القياس أن جعل الأم دون الأب في النصيب ، قياس ميراث الذكر والأنثى . وكذا قوله : أولاد الأبوين يشاركون ولد الأم لاشتراكهم في القرابة ، وجعل الأبوين مانعين الأخوة في رد الأم إلى السدس قياسا على جعل البنين في معنى البنات في استحقاق الثلثين . وقد أورد على هذا أنه خالف القياس في مسائل الجد والإخوة ، والمعادة ، وإعطاء الأم ثلث .

                                                      [ ص: 69 ] ما يبقى ، وليس فيه كتاب ولا سنة ولا قياس ، لأنا سوينا بين الأبوين مع الابن ومشاركة أولاد الأم خارجة عن القياس ، لأنا نعطي العشرة من إخوة الأبوين نصف السدس مثلا ، ونعطي الأخت الواحدة للأم السدس ، فأي مراعاة لاتخاذ القرابة ؟ فإن قيل : إذا كان دليل التقليد الحديث السابق فينبغي أن يتبع عليا رضي الله عنه في قضائه ومعاذا في الحلال والحرام لقوله : { أقضاكم علي ، وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ } ، والجواب - كما قال - إن القضاء يتسع ، ويتعلق بما لا يسوغ التقليد فيه ، وكذلك الحلال والحرام . قال : وعندنا أن المذهب لا يستقل بتقليد زيد : وما انتحل مذهبه إلا عن أصل يجوز فيه الرأي ، ولهذا خالف الصحابة . والشافعي لم يخل بمسألة عن احتجاج ، وإنما اعتصم بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم ترجيحا وبهذا تبين . انتهى . وجرى على ذلك الرافعي . وأما ابن الرفعة فقال : الظاهر أن اختيار الشافعي لمذهب زيد اختيار تقليد ، كما يقتضيه ظاهر لفظ الأم " إذ قال الشافعي : وقلنا إذا ورث الجد مع الإخوة قاسمهم ما كانت المقاسمة خيرا له من الثلث ، فإذا كان الثلث خيرا له منها أعطيه . وهذا قول زيد بن ثابت ، وعنه قبلنا أكثر الفرائض وهي التي لا نص فيها ولا إجماع . وجعل الرافعي موضع القولين ما إذا لم ينتشر فيهم ، قال : ثم عن الصيرفي والقفال أن القول فيما إذا لم يكن معه قياس أصلا ، فإن كان مع قوله قياس ضعيف احتج به وترجح على القياس القوي . قال : والأكثرون على أنه لا فرق . قال : وإن انتشر فإما أن يخالفه غيره أو يوافقه سائر أصحابه أو يسكتوا . فإن خالفه فعلى قوله الجديد هو كاختلاف المجتهدين . وعلى .

                                                      [ ص: 70 ] القديم هما حجتان تعارضتا ، فترجح من خارج ، وإن وافقه جميع الصحابة فهو إجماع منهم . .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية