[ ص: 247 ] فصل في زمانه الصحيح أنه
لا يشترط في جواز الاجتهاد أن يكون المجتهد غير النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا أن يكون في غير زمن النبوة ، وفيه مسألتان : إحداهما :
في جواز الاجتهاد للأنبياء عليهم الصلاة والسلام : أجمعوا على أنه كان يجوز لهم أن يجتهدوا فيما يتعلق بمصالح الدنيا وتدبير الحروب ونحوها وقد فعلوا ذلك ، كما قال
سليم ، وكذلك
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم ومثله بإرادة النبي عليه السلام أن يصالح
غطفان على ثلث ثمار
المدينة ، فهذا مباح لأن لهم أن يهبوا من أموالهم ما أحبوا وكذلك قوله في تلقيح ثمار
المدينة ، لأنه يباح للمرء أن يلقح نخلة وأن يتركها ، قال : وقد أخبرني بعضهم أنه ترك ثماره سنين دون تأبير فاستغنى عنه ، انتهى فأما اجتهادهم في أمر الشرع فاختلفوا أنه هل كان لهم أن يجتهدوا فيما لا نص فيه ؟ على مذاهب .
[ ص: 248 ] الأول - ليس لهم ذلك ، لقدرتهم على النص ، بنزول الوحي وقد قال تعالى : {
إن هو إلا وحي يوحى } والضمير عائد على النطق وحكاه
nindex.php?page=showalam&ids=16392الأستاذ أبو منصور عن أصحاب الرأي وقال
القاضي في التقريب " : كل من نفى القياس أحال تعبده صلى الله عليه وسلم به
قلت : وهو ظاهر اختيار
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم ، واحتج بأنه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62731صلى الله عليه وسلم كان إذا سئل ينتظر الوحي ويقول : ما أنزل علي في هذا الشيء } ، ذكر ذلك في حديث زكاة الحمر ، وميراث البنين مع الزوج والعمة قال : ولنا أخذه عليه السلام الفداء ثم نزل عتابه عليه ، فلا ينكر أن يفعل عليه الصلاة والسلام ما لم يتقدم نهي ربه تعالى فيه ، إلا أنه لا يترك بل لا بد من تنبيهه عليه .
قلت : ثم قيل : هو ممتنع عقلا ، حكاه
إمام الحرمين في التلخيص " وذهب
أبو علي وابنه
nindex.php?page=showalam&ids=12187أبو هاشم إلى أنه لم يكن متعبدا به وتوقف فيه كثيرون ، منهم
الرازي والمذهب الثاني ، وعليه الجمهور ، وهو ظاهر مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، كما قاله
الماوردي وسليم - ومذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، وأكثر المالكية منهم
nindex.php?page=showalam&ids=14960القاضي عبد الوهاب والقاضيان
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف وعبد الجبار nindex.php?page=showalam&ids=12915وأبو الحسين والقاضي في التقريب " : أنه يجوز لنبينا وغيره من الأنبياء عليهم السلام ذلك وأومأ إليه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الرسالة " ، لأن الله تعالى خاطب نبيه كما خاطب عباده ، وضرب له الأمثال ، وأمره بالتدبر والاعتبار ، وهو أجل المتفكرين في آيات الله ، وأعظم المعتبرين بها وأما قوله تعالى : {
إن هو إلا وحي يوحى } فالمراد به القرآن ، لأنهم قالوا : إنما يعلمه بشر . سلمنا أن
[ ص: 249 ] الضمير للنطق ، ولا يلزم منه ما ذكرتم ، لأن
الاجتهاد الشرعي مأذون فيه .
والدليل عليه في الآراء والحروب كثير ، كقتله
النضر ونحوه في الأمور التي تحرى فيها واختار أحد الجائزين وأما الأحكام فلأنه أكمل من غيره ، لعصمته من الخطأ ، فإذا جاز لغيره الذي هو عرضة للخطأ فلأن يجوز للكامل أولى ، ولأن العمل بالاجتهاد أشق من العمل باليقين فيكون أكثر ثوابا والثالث - الوقف عن القطع بشيء من ذلك ، لجوازه كله وزعم
الصيرفي في شرح الرسالة " أنه مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، لأنه حكى الأقوال ولم يختر شيئا ، فقال : ما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ليس فيه نص كتاب ، اختلفوا فيه : فمنهم من قال : جعل الله له ذلك لعلمه بتوفيقه ومنهم من قال : لم يسن سنة قط إلا ولها أصل في الكتاب ومنهم من قال : بل جاءته رسالة الله فأثبت سنته بفرض الله ومنهم من قال : ألقي في روعه كل ما سن ، انتهى لكنه قال بعد هذا ، في باب الناسخ والمنسوخ : قال : قال بعض أهل العلم : وفي قوله تعالى : {
ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي } دلالة على أن الله جعل لرسوله أن يقول من تلقاء نفسه بتوفيقه فيما لم ينزل به كتاب قال : قيل في قوله تعالى : {
يمحو الله ما يشاء ويثبت } : يمحو فرض ما يشاء ويثبت فرض ما يشاء قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : وهذا يشبه ما قيل انتهى . وحكى
الماوردي في المسألة ثلاثة أوجه لأصحابنا ، ( ثالثها ) ، واختاره في كتاب القضاء : التفصيل بين أن يكون ذلك الحكم مما يشارك فيه الأمة ، كتحريم الكلام في الصلاة ، والجمع بين الأختين ، فليس له أن يجتهد ، لأنه يؤدي إلى أمر الشخص لنفسه ، وبين أن لا يشاركهم فيه ، كمنع توريث القاتل وحد الشارب وقيل : يجوز لنبينا دون غيره .